Uncategorized

الانتحار أسبابه وعلاجه .بقلم /محمد أبوالنصر

الانتحار أسبابه وعلاجه .
بقلم /محمد أبوالنصر


حديثي إليك عن هذه الظاهرة يأتي في النقاط التالية :
الإنسان مكرم .
تعريف الانتحار .
ما حكم المنتحر؟وهل هو كافر؟
بم يتحقّق الانتحار .
أقسام الانتحار .
أسباب ودوافع الانتحار .
حكم الانتحار .
كيف نحفظ أنفسنا من الانتحار .
الآثار المترتّبة على الانتحار
وهل يكفّن المنتحر ويصلّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين؟
الإنسان مخلوق مكرم

خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، ومتعه بنعمة العقل والتفكير ليبدع ويبهر ويقوم على إعمار هذا الكون بما تصفو به الحياة.وأمده بالسمع والبصر والنطق وسائر النعم الأخرى التي ركبت في هذا الجسد، وهي نعم لا تحصى ولا تستقصى فما أعظم هذا الخلق البديع الذي ركبه الخالق المبدع، فكم فيه من العجائب والأسرار،(ثمّ أنشأناه خلقًا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين)[المؤمنون:14].

ولقد خلق الله الكون وسخره للإنسان وأمره بتعميره قال تعالى: ﴿هو أنشأكم مّن الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثمّ توبوا إليه ۚ إنّ ربّي قريبٌ مّجيبٌ﴾. والله تعالى حين وهب الإنسان هذه النعم أمره بالمحافظة على هذا الجسد؛ إذ هو وديعة عنده، يجب أن يرعاه ويصونه ويحفظه من كل ما يخدشه أو يورده المهالك أو يؤثر فيه، قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على اللّه يسيرًا [النساء:29، 30]

. فقوله {ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيماً} هو على ظاهره بمعننى الانتحار وذلك من رحمته تعالى بكم ،أولا يسفك بعضكم دم بعض، والتعبير عنه بقتل النفس للمبالغة في الزجر {ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً} أي ومن يرتكب ما نهى الله عنه معتدياً ظالماً لا سهواً ولا خطأً {فسوف نصليه ناراً} أي ندخله ناراً عظيمة يحترف فيها {وكان ذلك على الله يسيراً} أي هيناً يسيراً لا عسر فيه لأنه تعالى لا يعجزه شيء. فهذه الآيات فيها نهي للمؤمنين أن يقتل بعضهم بعضًا، ونهي لكل واحد منهم أن يعتدي على نفسه بالقضاء عليها وإزهاقها؛ إذ هي ليست ملكًا له، ومما يؤيد هذا ما رواه عمرو بن العاص قال: بعثني رسول الله ذات مرة، فاحتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أموت، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح،

فلما قدمت على رسول الله ذكرت ذلك له، فقال: ((يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟)) قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا)، فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله ولم يقل شيئًا. رواه أحمد وأبو داود.فتأول عمرو بن العاص هذه الآية على أن المراد بها قتل نفسه، لا نفس غيره، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
لقد أصبح الانتحار ظاهرة عالمية؛ إذ ينتحر الآف الآلاف من بني البشر سنوياً بسبب قتلهم أنفسهم, وليس هذا بمستغربٍ في بلاد غير المسلمين حيث غياب الإيمان وحياة الضنك التي يعيشها إنسان الغرب قال تعالى :, (ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه: 124] “فمن المعيشة الضنكة حياة الاضطراب والقلق والضيق والاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة. لكن العجيب أن تنتقل هذه الظاهرة إلى بلاد المسلمين؛

إذ تزايدت حالات الانتحار بين الشباب في السنوات الأخيرة بصورة تثير القلق, وتبعث على الأسى أن ينهي مسلمٌ حياته بالقفز من فوق برج أو شنقاً أو بتناول السم أو بقطع شرايينه أو بإطلاق رصاصة على رأسه, تعددت حالات الانتحار داخل المجتمع وأصبحت تطالعنا الأخبار عن حالاتٍ انتحارٍ متزايدة لأسبابٍ واهية, يقدم فيها الإنسان على قتل نفسه,،مرة وهو يصور نفسه ،ومرة تلتقطه الكاميرات مثلما فعل أحد الشباب، إن اتخاذ الشباب الانتحار سبيلا للخروج من الأزمات التي يعيشوها، لن يحل لهم الأزمات فالله خلقنا لنعيش ،لا لننتحر تاركين ورائنا أحلاما وقلوبا مكسورة وأماني مقهورة . وأمامنا عقوبة الانتحار في الدار الآخرة، إن الانتحار ليس بابا للهروب من الأزمات، لأنه سيعقبه حساب شديد سيكون أكبر وأعظم وطأة من أي شيء قد يعانيه الإنسان في حياته الدنيا. إن المنتحر يفر من ألم الدنيا المحدود إلى ألم النار وهو أشد وأطول مدة.

فما الانتحار ؟و ما حكم المنتحر؟ وهل هو كافر؟ وهل يكفّن ويصلّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين؟
تعريف الانتحار:
الانتحار في اللّغة: مصدر انتحر الرّجل، بمعنى نحر نفسه، أي قتلها.
وفي الحديث نفسه: انتحر فلانٌ فقتل نفسه رواه البخاريّ
ويطلق الانتحار على قتل الإنسان نفسه بأيّ وسيلةٍ كانت.
بم يتحقّق الانتحار:
يتحقّق الانتحار بوسائل مختلفةٍ كأن يقتل الإنسان نفسه ببندقية أو يمتنع من الأكل والشّرب.

أقسام الانتحار .
قسم العلماء الانتحار إلى قسمين
1 – انتحارٌ بطريق الإيجاب.
2- انتحارٌ بطريق السّلب.
1 – انتحارٌ بطريق الإيجاب.
فإذا أزهق الشّخص نفسه بإتيان فعلٍ منهيٍّ عنه، كاستعمال السّيف أو الرّمح أو البندقيّة أو أكل السّمّ أو إلقاء نفسه من شاهقٍ(مكان عالي) أو في النّار ” ليحترق أو في الماء ليغرق وغير ذلك من الوسائل، فهو انتحارٌ بطريق الإيجاب.
2- انتحارٌ بطريق السّلب.
وذلك إذا كان الإزهاق بالامتناع عن الواجب، كالامتناع من الأكل والشّرب” حتّى مات كان قاتلاً نفسه، متلفًا لها عند جميع أهل العلم. لأنّ الأكل للغذاء والشّرب لدفع العطش فرضٌ بمقدار ما يدفع الهلاك، فإن ترك الأكل والشّرب حتّى هلك فقد انتحر؛ لأنّ فيه إلقاء النّفس إلى التّهلكة المنهيّ عنه في محكم التّنزيل ”

كذلك وترك علاج الجرح الموثوق ببرئه بما فيه من خلافٍ ، أو عدم الحركة في الماء أو في النّار أو عدم التّخلّص من السّبع الّذي يمكن النّجاة منه، فهو انتحارٌ بطريق السّلب لأنّ تاركه ساعٍ في إهلاك نفسه، وقد قال اللّه تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} سورة النساء / 29)

أسباب ودوافع الانتحار
لم نكن نسمع قبل سنوات في مجتمعنا عن إنسان يقتل نفسه, لكننا في هذه الأيام تنقل لنا الأخبار عشرات القصص عن أناس ينتحرون فيقتلون أنفسهم, بل تزداد الظاهرة كل سنة عن التي قبلها, وبصورة لا يكاد يتخيّلها مؤمن أو عاقل فهذا يقتل نفسه لأنه عاطل عن العمل, وذلك بسبب مشكلات أسرية, وهذا لأنه لم يوفق في الزواج ممن يحب, وآخر لفشله في الدراسة, وهكذا يقدم المرء على هذه الجريمة وقد ضعف إيمانه بالله إن لم يكن قد انتهى بالكلية –عياذا بالله- وبعضهم يفعل ما هو أشد من ذلك فيقتل أشخاصاً آخرين ثم يقتل نفسه بعد ذلك, وقد يكون القتلى من أقرب الناس إليه؛ كقتل أبيه أو أمه أو أولاده أو زوجته. مما يدل على ضعف الإيمان وغياب الإيمان بالقضاء والقدر. إن هذا المنتحر الذي يقتل نفسه فيعرضها لعذاب الله تعالى, ويتسبب لأهله بالأذى والضر؛ يظن -ويالسوء ظنه الفاسد الذي زينه له الشيطان- يظن أنه بقتل نفسه سيخلصها مما تعانيه من مشكلات, وخاب وخسر -والله- ماهذا بحل ولا علاج, بل هو الخسران المبين بعينه.

إن هناك أسبابا لظاهرة الانتحار وازديادها وأول سبب هو ضعف الإيمان، ووجود اليأس والقنوط وسوء الظن بالله، ولو كان المنتحر قوي الإيمان واثق بربه ما قتل نفسه فضعف الوازع الديني سبب رئيس لهذه الظاهرة, وكذلك البعد عن الطاعات والانغماس في الشهوات.
ومن ذلك الظن الخاطئ عند المنتحر وذلك لجهله وقلة عقله, حيث يظن أنه سيضع بانتحاره وإزهاقه لنفسه حداً لما يعيشه أو يعانيه من مشكلاتٍ أو ظروف سيئة، وهذا مفهومٌ خاطئٌ ومغلوطٌ؛ لأنه بفعلته تلك هرب من مشكلة مؤقتة في الدنيا إلى عذاب شديد أليم في الآخرة.
ومن أسباب فشو هذه الظاهرة وازديادها: الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر، الأمر الذي دعا إلى تقليد الآخرين والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: “لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراعٍ حتّى لو دخلوا جحر ضبٍّ تبعتموهم” قلنا: يا رسول اللّه اليهود والنّصارى؟ قال: “فمن؟” [متفق عليه].فاحذروا –أيها الآباء- من الانفتاح الإعلامي غير المنضبط بالظوابط الشرعية, خاصةً مع وجود انفتاح هائل في وسائل الاتصال والتواصل؛ يسهل نقل الأفكار وتسميم العقول, وكثير من أبناء المسلمين خاوٍ عقله من تعاليم الإسلام, مما يصير صيداً سهلاً لمواقع الإلحاد والزندقة والفساد المنتشرة في مواقع الانترنت, والتي تهدف بشبهاتها وشهواتها إلى تدمير القيم والفضائل, وتلويث العقول بالأفكار الضالة المنحرفة التي يتشربها عقلٌ فارغ عن تعاليم الإسلام فيقع فريسة للشيطان من حيث لا يدري.

إننا أحوج في مجتمعاتنا اليوم إلى تحصين عقول شبابنا وبناتنا من الأمراض الفكرية التي تستهدفهم، أشد من حاجتنا إلى تحصين أطفالنا ضد الأمراض الوبائية, فصغار السن ومحدودي الثقافة يتأثرون بما تبثه القنوات الفضائية ومواقع النت من أفكارٍ وطروحاتٍ وموضوعاتٍ تحث بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة على الانتحار، وتجعل منه حلاً عاجلاً وسريعاً لكثيرٍ من المشكلات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها بعض الناس.

ومن أسباب هذه الظاهرة: الغضب الشديد, فالإنسان حال غضبه يطيش عقله ويفعل ما يندم عليه طول حياته, فالغاضب يتلبسه الشيطان ويزين له سوء عمله ثم يتبرأ منه ومن فعله, فلذا حذر النبي من الإشارة إلى مسلم بسلاح ولو كان مزحة حين قال: “لا يشير أحدكم على أخيه بالسّلاح فإنّه لا يدري؛ لعلّ الشّيطان ينزع في يده فيقع في حفرةٍ من النّار” متفق عليه. وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: “من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإنّ الملائكة تلعنه حتّى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمّه”.
إن الإنسان في حال الغضب لا يسيطر على تصرفاته ويكون صيداً سهلاً للشيطان فقد يقتل أو يؤذي أو يكسر أو يحرق، ولذلك فالقوي الشديد ليس الذي يضرب أو يصارع وإنما كما أخبر –عليه الصلاة والسلام-: “ليس الشّديد بالصّرعة, إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب”.

” إن المنتحر ليس لديه وعي ولا يعرف قدر الحياة ولا يقدر شعور أبيه ولا شعور أمه ولا شعور زوجته إن كان متزوجا ولا أولاده فلا يشغله أن يبكي أبوه عليه ولا أن تثكله أمه ولا أن تترمل زوجته ولا أن ييتم ولده.
قد تكون الرفاهية الزائدة مع عدم وجود الإيمان دافع من دوافع الانتحار فكل ما يتمناه يحصل عليه وبالتالي يسئم الحياة فينتحر ويموت

.
سوء الحالة الاجتماعية فقد يكون عليه ديون وضاقت به الأمور ولم يجد له جاراً يفرج عنه ولا أخاً مسلماً يخفف عنه وليس لديه إيمان ولا ينتظر الفرج فينتحر ويموت.
هناك من يقتل نفسه عن طريق تفجير نفسه وهو يعتقد أن هذا جهاداً وهذا ليس بجهاد وإنما هو اساءة للإسلام والمسلمين

حكم الانتحار :
– الانتحار حرامٌ شرعا بالاتّفاق، ويعتبر من أكبر الكبائر بعد الشّرك باللّه. لما ثبت في كتاب الله، وسنة النبي الكريم، وإجماع عموم المسلمين.

“إن اعتداء الإنسان على نفسه بقتلها جريمة كبرى، يترتب عليها العقاب الأليم والوعيد الشديد الذي جاءت به النصوص الشرعية التي بينت أنه من المحرمات ومن أعظم الكبائر.
قال اللّه تعالى: {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ} سورة الأنعام / 151

وقال سبحانه : (ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيمًا * ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على اللّه يسيرًا * إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا ) [النساء: 29 – 31]

فانظروا إلى هذا الرب الكريم, ينهى عبده المؤمن أن يقتل نفسه، ويخبره أنه رحيم به، فلماذا يتعجل المؤمن الموت؟! لماذا يقنط من رحمة ربه؟! لماذا يجزع مما ألم به من آلام وهموم, وهو يعلم أن له رباً كريماً رحيماً؛ أرحم به من الأم بولدها؟! فهلّا وضع همومه بين يديه، ورفع مشاكله وحاجاته إليه. إنّ على المؤمن إذا ضاقت به الأمور، وتكاثرت عليه المشكلات، وضاقت نفسه بما فيها؛ عليه أن يتذكر رحمة الله فتذهب همومه، وتزول غمومه، وينزاح اليأس والقنوط عن نفسه، هذا إذا كان مؤمناً ذاكراً لله مقدراً له حق قدره، فإن لم يكن كذلك وغلبه اليأس فــ (إنّه لا ييئس من روح الله إلّا القوم الكافرون)

وقال: (ومن يقنط من رحمة ربّه إلّا الضّالّون) [الحجر: 56] إن هذا الإنسان هارب من عذاب الدنيا الزائل مهما بلغ ليقع في عذاب الآخرة الذي لا ينتهي.
إنّ هذه الجريمة البشعة العظيمة إن لم تكن مرضية وحالة نفسية أقرب إلى الجنون فليس لها ما يبررها إلا القنوط من رحمة الله، واليأس من روحه، وسوء الظن به سبحانه، وكل ذلك يدل على أن الإيمان بالله وبقضائه وقدره ضعيف جداً في قلب من يسعى لقتل نفسه, ولذلك استحق تلك العقوبة القاسية الشديدة (ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على اللّه يسيرًا).
لقد قرّر الفقهاء أنّ المنتحر أعظم وزرًا من قاتل غيره، وهو فاسقٌ وباغٍ على نفسه، حتّى قال بعضهم: لا يغسّل ولا يصلّى عليه كالبغاة، وقيل: لا تقبل توبته تغليظًا عليه ”
كما أنّ ظاهر بعض الأحاديث يدل على خلوده في النّار.

منها
قوله كما روى البخاريّ ومسلمٌ في صحيحيهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن تردّى من جبلٍ فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا”.أخرجه البخاري

هذا الحديث دل على أن من أقدم على قتل نفسه بارتكاب أحد الأفعال الواردة في هذا الحديث أو ما كان في معناها فإن عقوبته العذاب في جهنم بنفس الفعل الذي أجهز به على نفسه، فمن ألقى نفسه من مكان عال مرتفع أو موقع شاهق أو ضرب نفسه بحديدة كالسيف أو السكين أو المسدس أو نحو ذلك أو تناول مادة من المواد السامة القاتلة فأدى ذلك كله إلى موته فإنه يعذب في النار بفعلته الشنعاء التي أقدم عليها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار” [ رواه البخاري ].
وعن أبى هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “من خنق نفسه في الدنيا فقتلها خنق نفسه في النار ومن طعن نفسه طعنها في النار…” [ رواه ابن حبان ].

إن الانتحار لا يحدث إلا من نفس مريضة بعيدة عن فعل الطاعات، غارقة في فعل المعاصي والمنكرات، موحلة في اقتراف الشبه والمخالفات، آيسة مما عند خالقها من الرحمة والخيرات، وإن قلب المنتحر فارغ من الإيمان الذي يحيي القلوب ويوقظها من غفلتها ويعيدها إلى طريق الصواب وجادة الحق للتزود من الأجر والثواب.
والإيمان يجعل صاحبه شديد التعلق بخالقه، يلجأ إليه في الشدائد والملمات، فإذا ما أحسّ بضائقة أو وقعت عليه مصيبة أو نزلت به مشكلة تؤرقه فإنه يعلم ويدرك أن ربّه مفرّجٌ ما هو فيه من الكربات، وميسّرٌ ما يمر به من المعسرات، ومسهل ما يعيشه من الصعوبات.
(ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكّل على اللّه فهو حسبه) [الطلاق:2، 3].فيجب على المسلم أن يصبر في الضراء والسراء ( واصبر وما صبرك إلا بالله).

إن حماية النفس وعدم إزهاق الروح، أو حتى إتلاف عضو من أعضاء الجسد أو إفساده، هو مطلب سماوي، فحرم الله تعالى كل ما من شأنه أن يهلك الإنسان أو يلحق به ضررا، ويجب المحافظة على النفس كمقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، فقال المولى عز وجل: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما”. إن الانتحار، إخلال بمبدأ الشريعة الإسلامية بحفظ الكليات الخمس وهي الدين، النفس، العقل، النسب والمال، وهذه كليات متفق عليها بين الأديان السماوية وأصحاب العقول.

كيف نحفظ أنفسنا من الانتحار .
إن الانتحار جريمة نكراء لها بواعث متداخلة متشابكة معقدة، وهناك أسباب نفسية واجتماعية لتلك الواقعة، ومن الناحية الدينية فالانتحار يعني ضعف الجوانب الدينية لدى هؤلاء الشباب، وليعلم المنتحر أن الانتحار ما كان” علاجاً للمشكلات، ولا حلاً للمعضلات, وليس دواءً لما يحل بنا من النكبات، بل هو داء يسبب الانتكاسة والحرمان من الجنة, ويجلب سخط الرب -تبارك وتعالى-, ويوجب العقوبة الشديدة في الآخرة كما سمعتم من أحاديث نبيكم –عليه الصلاة والسلام-.
فعلينا أن نحسن الظن بربنا, ونتوكل عليه ونفوض أمرنا إليه, فهو -والله- أرحم بنا من أنفسنا, ولنحذر الغفلة والبعد عن الطاعة فإنها سببٌ للشقاء والتعاسة, وما كثر القلق والهم والغم إلا لكثرة الذنوب وقلة الطاعات, والبعد عن بيوت الرحمن, والوقوف بين يديه وقد كان نبيكم إذا حزبه أمرٌ نادى بلالاً: ” أرحنا بها يا بلال” أي بالصلاة. قال اللّه تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربّه ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى) [طه: 124، 127].

يجب الوقوف بشدة تجاه تلك الجوانب الضعيفة من خلال نشر الوعظ الديني وإعلاء ثقافة تحمل البلاء والصبر والرضا بقضاء الله وقدره. ويجب إلقاء الضوء في الإعلام والندوات الدينية على حياة الأنبياء فهي مليئة بالبلاء والتحمل والصبر والرضا فنحن بحاجة لوعي ديني لمواجهة ظاهر الانتحار ويتم ذلك باستنفار وطني على أعلى مستوى، وعقد لقاءات مع الشباب بالجامعات ومراكز الشباب وقصور الثقافة وداخل الأندية الرياضية، فللأسف الوعي الديني في تلك الأماكن غائب تماما”
فتمسكوا بتعاليم دينكم وقيمه وراقبوا الله في جميع أعمالكم, واجعلوا همكم في هذه الحياة مرضاة ربكم, واعلموا أن هذه الدنيا زائلة, وعما قريب ستلقون ربكم فيحاسبكم على أعمالكم فقدموا لأنفسكم خيراً, واحذروا ما يوجب سخطه وعقابه (ياأيّها النّاس إنّ وعد اللّه حقٌّ فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا ولا يغرّنّكم باللّه الغرور * إنّ الشّيطان لكم عدوٌّ فاتّخذوه عدوًّا إنّما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السّعير * الّذين كفروا لهم عذابٌ شديدٌ والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ ) [فاطر: 5 – 7].

الآثار المترتّبة على الانتحار:

أوّلاً: إيمان أو كفر المنتحر:
– ورد في الأحاديث الصّحيحة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما يدل ظاهره على خلود قاتل نفسه في النّار وحرمانه من الجنّة. منها:

ما رواه الشّيخان عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من تردّى من جبلٍ فقتل نفسه فهو في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا ”
ومنها حديث جندبٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كان برجلٍ جراحٌ فقتل نفسه، فقال اللّه: بدرني عبدي نفسه، حرّمت عليه الجنّة ” أخرجه البخاري
وظاهر هذين الحديثين وغيرهما من الأحاديث يدل على كفر المنتحر؛ لأنّ الخلود في النّار والحرمان من الجنّة جزاء الكفّار عند أهل السّنّة والجماعة.
لكنّه لم يقل بكفر المنتحر أحدٌ من علماء المذاهب الأربعة؛ لأنّ الكفر هو الإنكار والخروج عن دين الإسلام، وصاحب الكبيرة – غير الشّرك – لا يخرج عن الإسلام عند أهل السّنّة والجماعة، وقد صحّت الرّوايات أنّ العصاة من أهل التّوحيد يعذّبون ثمّ يخرجون
بل قد صرّح الفقهاء في أكثر من موضعٍ بأنّ المنتحر لا يخرج عن الإسلام، ولهذا قالوا بغسله والصّلاة عليه كما سيأتي، والكافر لا يصلّى عليه إجماعًا. ذكر في الفتاوى الخانيّة: المسلم إذا قتل نفسه في قول أبي حنيفة ومحمّدٍ يغسّل ويصلّى عليه.
وهذا صريحٌ في أنّ قاتل نفسه لا يخرج عن الإسلام، كما وصفه الزّيلعيّ وابن عابدين بأنّه فاسقٌ كسائر فسّاق المسلمين كذلك نصوص الشّافعيّة تدل على عدم كفر المنتحر.
وما جاء في الأحاديث من خلود المنتحر في النّار
محمولٌ على من استعجل الموت بالانتحار، واستحلّه، فإنّه باستحلاله يصير كافرًا؛ لأنّ مستحل الكبيرة كافرٌ عند أهل السّنّة، والكافر مخلّدٌ في النّار بلا ريبٍ،.
“إن الانتحار لا يخرج المسلم عن كونه مسلمًا أبدًا حتى ولو كان عاصيًا لله إلا بحالة واحدة ألا وهي استحلال الانتحار، بمعنى أن يقول إن الانتحار حلال لا حرمة فيه فبهذا يكون قد خرج من الإسلام لا لانتحاره وإنما لاستحلاله أمر أجمعت الأمة على حرمته”

وقيل: ورد مورد الزّجر والتّغليظ، وحقيقته غير مرادةٍ.
فما جاء في شدة العقوبة على المنتحر فإنما خرج مخرج التغليظ قال الإمام جمال الدين الملطي الحنفي ” والتخليد المذكور ليس على ظاهره بل خالدا حتى يخرج بالشفاعة مع سائر المؤمنين المذنبين لأن القتل لا يحبط إيمانه ولا يبطل أعماله فلابد من مجازاته لقوله تعالى: {ولن يتركم أعمالكم} ” ( المعتصر من المختصر من مشكل الآثار).
وقيل: إن المراد بالخلود هنا المكث الطويل في نار جهنم؛ لأن المكث الطويل يسمى خلوداً في اللغة
ويقول ابن عابدين في قبول توبته: القول بأنّه لا توبة له مشكلٌ على قواعد أهل السّنّة والجماعة، لإطلاق النّصوص في قبول توبة العاصي، بل التّوبة من الكافر مقبولةٌ قطعًا، وهو أعظم وزرًا. ولعل المراد ما إذا تاب حالة اليأس، كما إذا فعل بنفسه ما لا يعيش معه عادةً، كجرحٍ مزهقٍ في ساعته،وإلقائه نفسه في بحرٍ أو نارٍ فتاب. أمّا لو جرح نفسه فبقي حيًّا أيّامًا مثلاً ثمّ تاب ومات، فينبغي الجزم بقبول توبته.
وممّا يدل على أنّ المنتحر تحت المشيئة، وليس مقطوعًا بخلوده في النّار – حديث جابرٍ أنّه قال لمّا هاجر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرٍو، وهاجر معه رجلٌ من قومه فاجتووا المدينة، فمرض فجزع، فأخذ مشاقص، فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتّى مات، فرآه الطّفيل بن عمرٍو في منامه وهيئته حسنةٌ، ورآه مغطّيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربّك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ما لي أراك مغطّيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصّها الطّفيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وليديه فاغفر أخرجه مسلم
وهذا كلّه يدل على أنّ المنتحر لا يخرج بذلك عن كونه مسلمًا، لكنّه ارتكب كبيرةً فيسمّى فاسقًا.
إن المنتحر يكون تحت مشيئة الله  كسائر المعاصي، إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة بإسلامه وتوحيده وإيمانه وإن شاء ربنا عذبه في النار على قدر الجريمة التي مات عليها وهي جريمة القتل، ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار إلى الجنة فينبغي علينا أن تدعو له كثيراً وأن ترحم عليه كثيراً، ولأقاربه أن يتصدقوا عنه كثيراً لعل الله يلطف به ولعل الله يرحمه.

ثانيًا: جزاء المنتحر:
– لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا لم يمت من حاول الانتحار عوقب على محاولته الانتحار، لأنّه أقدم على قتل النّفس الّذي يعتبر من الكبائر.
سيفه على نفسه فمات أخرجه مسلم ولم يبلغنا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قضى فيه بديةٍ ولا غيرها، ولو وجبت لبيّنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولأنّه جنى على نفسه فلم يضمنه غيره، ولأنّ وجوب الدّية على العاقلة في الخطأ إنّما كان مواساةً للجاني وتخفيفًا عنه، وليس على الجاني هاهنا شيءٌ يحتاج إلى الإعانة والمواساة، فلا وجه لإيجابه
ثالثًا: غسل المنتحر:
– من قتل نفسه خطأً، كأن صوّب سيفه إلى عدوّه ليضربه به فأخطأ وأصاب نفسه ومات، غسّل وصلّي عليه بلا خلافٍ، كما عدّه بعضهم من الشّهداء.
وكذلك المنتحر عمدًا، لأنّه لا يخرج عن الإسلام بسبب قتله نفسه عند الفقهاء كما سبق، ولهذا صرّحوا بوجوب غسله كغيره من المسلمين
وادّعى الرّمليّ الإجماع عليه حيث قال: وغسله وتكفينه والصّلاة عليه وحمله ودفنه فروض كفايةٍ إجماعًا، للأمر به في الأخبار الصّحيحة، سواءٌ في ذلك قاتل نفسه وغيره.
رابعًا: الصّلاة على المنتحر:
– يرى جمهور الفقهاء (الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة) أنّ المنتحر يصلّى عليه، لأنّه لم يخرج عن الإسلام بسبب قتله نفسه ” وما أعلم أحدًا من الصحابة والتابعين ترك الصلاة على أحد مات ممن يصلي إلى القبلة.
ولما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: صلّوا على من قال لا إله إلاّ اللّه أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر
ولأنّ الغسل والصّلاة متلازمان عند المالكيّة، فكل من وجب غسله وجبت الصّلاة عليه، وكل من لم يجب غسله لا تجب الصّلاة عليه
وقال عمر بن عبد العزيز والأوزاعيّ – وهو رأي أبي يوسف من الحنفيّة، وصحّحه بعضهم – لا يصلّى على قاتل نفسه بحالٍ، لما روى جابر بن سمرة: أنّه أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه
ولما روى أبو داود أنّ رجلاً انطلق إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره عن رجلٍ قد مات قال: وما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه، قال: أنت رأيته؟ قال: نعم. قال. إذن لا أصلّي عليه أخرجه أبو داود
وعلّله بعضهم بأنّ المنتحر لا توبة له فلا يصلّى عليه ”
وقال الحنابلة: لا يصلّي الإمام على من قتل نفسه عمدًا، ويصلّي عليه سائر النّاس. أمّا عدم صلاة الإمام على المنتحر فلحديث جابر بن سمرة السّابق ذكره أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يصل على قاتل نفسه، وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هو الإمام، فألحق به غيره من الأئمّة ”
وأمّا صلاة سائر النّاس عليه، فلما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه حين امتنع عن الصّلاة على قاتل نفسه لم ينه عن الصّلاة عليه. ولا يلزم من ترك صلاة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ترك صلاة غيره، فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان في بدء الإسلام لا يصلّي على من عليه دينٌ لا وفاء له، ويأمرهم بالصّلاة عليه.
كما يدل على هذا التّخصيص ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: أمّا أنا فلا أصلّي عليه أخرجه النسائي
وذكر في بعض كتب الحنابلة أنّ عدم صلاة الإمام على المنتحر أمرٌ مستحسنٌ، لكنّه لو صلّى عليه فلا بأس. فقد ذكر في الإقناع: ولا يسنّ للإمام الأعظم وإمام كل قريةٍ – وهو واليها في القضاء – الصّلاة على قاتل نفسه عمدًا، ولو صلّى عليه فلا بأس.
خامسًا: تكفين المنتحر ودفنه في مقابر المسلمين:
– اتّفق الفقهاء على وجوب تكفين الميّت المسلم ودفنه، وصرّحوا بأنّهما من فروض الكفاية كالصّلاة عليه وغسله، ومن ذلك المنتحر؛ لأنّ المنتحر لا يخرج عن الإسلام بارتكابه قتل نفسه كما شرحناه .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، يا ذا الجلال والإكرام!.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, واجعلنا من أهل طاعتك ممن لاخوف عليهم ولايحزنون, وابعثنا في زمرة نبيك وأصحابه وآل بيته في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى