مقالات

الفنان والقدوة بين حرية التعبير ومسؤولية التأثير رؤية شرعية وثقافية .

الفنان والقدوة بين حرية التعبير ومسؤولية التأثير رؤية شرعية وثقافية .

🔴 الفنان والقدوة بين حرية التعبير ومسؤولية التأثير رؤية شرعية وثقافية .
✍️ محمدأبوالنصر
◾ في عالم اليوم الذي تغزوه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لم تعد شهرة الفنان مقتصرة على الأعمال الفنية التي يقدمها، بل أصبحت شخصيته وسلوكياته وملابسه وتصرفاته اليومية محل أنظار العامة، خاصة من فئة الشباب والمراهقين الذين يتخذون من بعض الفنانين قدوة ومصدر إلهام. ومن هنا، تبرز تساؤلات جوهرية حول حدود حرية الفنان، وما إذا كان عليه أن يتحمل مسؤولية اجتماعية وأخلاقية تجاه جمهوره.

وقد أثار مؤخرًا أحد الفنانين موجة من الجدل والاستنكار، بعد ظهوره في حفل فني أو مناسبة عامة مرتديًا لباسًا غريبًا أشبه بملابس النساء، مصنوعًا من الذهب، يشبه ما يُعرف شعبيًا بـ”الستيان” أو “الفلين”، بينما كان عاري الصدر تقريبًا. وقد اعتبر كثيرون هذا السلوك خروجًا صارخًا عن الحياء والأعراف، بل استفزازًا لقيم المجتمع وأخلاقياته، خصوصًا في مجتمعات شرقية ذات طابع محافظ.

◾أولاً: حرية التعبير أم تجاوز الحدود؟

لا شك أن حرية التعبير حق مكفول، ولكنها ليست مطلقة. فكل حرية يجب أن تُقيد بحدود لا تؤذي الآخرين أو تخرق القيم المشتركة، وهذا مبدأ قائم في كل الأديان والنظم القانونية. وعندما يتحول جسد الفنان إلى وسيلة لإثارة الجدل أو كسر التقاليد بدعوى “الفن”، فإننا ندخل في منطقة رمادية قد تؤدي إلى الترويج لأفكار منحرفة أو سلوكيات مستهجنة.

◾ثانيًا: هل الفنان قدوة؟

الفنان، بحكم شهرته وتواصله مع الجماهير، يتحول تلقائيًا إلى شخصية عامة يُحتذى بها، سواء أراد أم لم يُرِد. وقد أكدت الشريعة الإسلامية على أهمية القدوة في بناء المجتمعات، حيث قال الله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21].

وهذا يشير إلى أن التأثير بالأفعال أقوى من التأثير بالكلام، وأن القدوة الصالحة تصنع الأجيال وتوجّه السلوك. ومن هنا، فإن الفنان إذا استخدم شهرته لنشر قيم الخير والحق والجمال، فإن أثره سيكون عظيمًا، أما إذا استخدمها لنشر الانحراف والغرابة والتفاهة، فإن الضرر يكون أكبر لأن الناس تُقلّده بلا وعي.

◾ثالثًا: اللباس في الإسلام: ضوابط شرعية وجمالية

الإسلام لم يمنع الزينة، بل دعا إلى التجمّل بشرطين: أن يكون ضمن حدود الحياء، وألّا يكون فيه تشبه بالجنس الآخر أو أهل الفسق. قال تعالى:
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]،
لكنه في ذات الوقت حذر من التشبه المحرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال” [رواه البخاري].

وما فعله هذا الفنان من خلع ملابسه ولبس ما يشبه ملابس النساء يدخل في هذا الباب، خاصة إذا كان القصد منه إثارة الجدل، أو التميز السلبي، أو لفت الأنظار، وهي نوايا لا تليق بمن يُفترض فيه أن يكون قدوة.

◾رابعًا: الفن في الإسلام: رسالة لا وسيلة للجدل

الإسلام لم يعادِ الفن، بل احتضن الفنون التي تعكس الجمال والحق والرحمة، سواء في الشعر أو الغناء أو الرسم أو المسرح.
ولكن الفن في التصور الإسلامي ليس ترفًا خاليًا من المعنى، بل هو وسيلة لتهذيب النفوس، ورفع الذوق، وإحياء الضمير. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحِكمة:
“إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكمًا” [رواه ].

فالفن الذي يحمل رسالة نبيلة، يُعد من أرقى أشكال التأثير، أما الفن الذي يسعى فقط لإثارة الجدل أو خرق الحياء العام، فهو عبء على المجتمع، ويشوه صورة الفنانين الحقيقيين.

◾خامسًا: من المسؤول؟ الفنان أم الجمهور؟

لا يمكن إلقاء اللوم كله على الفنان وحده، فالجمهور الذي يهلل ويصفق لمثل هذه التصرفات الغريبة، أو يتعامل معها على أنها “حرية شخصية”، يساهم بطريقة غير مباشرة في تكرار هذه الظواهر. والمجتمع الواعي هو الذي ينتقد بعقل، ويُقاطع بحكمة، ويرفع من شأن الفن الراقي، لا الفن المبتذل.

◾سادسًا: رسالة إلى الفنانين

أيها الفنانون، أنتم محط أنظار الناس، ومسؤولون أمام الله والتاريخ عن الرسائل التي تبثونها.
فلا تستهينوا بتصرف قد يقلدكم فيه آلاف الشباب. اختاروا ما يليق بكم وبجمهوركم، واحذروا من الوقوع في فخ الشهرة السطحية التي تنتهي سريعًا وتبقى وصمة عار في السيرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها” [رواه مسلم].

◾خاتمة:
إن الفنان ليس مجرد مؤدٍ على المسرح أو الشاشة، بل هو مؤثر وصانع للوعي والسلوك. وظهوره بلباس غير لائق أو تصرف مستفز لا يُعد حرية ، ولن يرقى الفن إلا عندما يُصبح وسيلة لإعلاء القيم، لا لهدمها، وأداة لإحياء الذوق، لا لاغتياله.
فليختر الفنان أي طريقٍ يسلك: طريق الاحترام والسمو، أو طريق الإثارة الرخيصة، وسيسجل له التاريخ أحد الخيارين.
محمد أبوالنصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى