المطلقة …ونظرة المجتمع، رؤية نقدية تفكيكية في رواية (عطر قديم في لقاء الحياة)، للكاتبة اعتدال السباعي
المطلقة ...ونظرة المجتمع، رؤية نقدية تفكيكية في رواية (عطر قديم في لقاء الحياة)، للكاتبة اعتدال السباعي

المطلقة …ونظرة المجتمع، رؤية نقدية تفكيكية في رواية
(عطر قديم في لقاء الحياة)، للكاتبة اعتدال السباعي
بقلم الناقد الأدبي د/عادل يوسف.
هل يخاف المجتمع من المرأة المطلقة؟
هل يمكن أن يعتبرها امرأة متمردة ، ومصدر تهديد وخراب للبيوت؟
هل المرأة المطلقة ارتكبت ذنبا لا يغتفر عندما قررت الانفصال ينتهك كرامتها ، ويذلها ، أم انها امرأة قوية اختارت أن تحافظ على كرامتها ومبادئها؟
أسرار وخفايا كثيرة تناقشها الكاتبة اعتدال السباعي في روايتها
( عطرقديم لقاء الحياة).
فكرة الرواية :
تدور هذه الرواية حول فكرة اجتماعية خطيرة وهي أن المرأة المطلقة لا يعيبها لقب مطلقة ، ولا ينتقص منها أبدا ، فهي إنسانة لها كرامتها وعلمها ومبادئها .
وترى الكاتبة أن بعض المطلقات لديهن الشجاعة والقوة ؛لأنهن اخترن ألا يكملن حياتهن مع زوج ظالم، جبار، مريض نفسيا ،يهين ويستعبد زوجته باسم الزواج.
نبذة عن الرواية:
رواية (عطر قديم في لقاء الحياة) للكاتبة السعودية اعتدال السباعي تندرج تحت فن رواية السيرة الذاتية لامرأة مطلقة تدعى (كريمة) كانت تعيش في جحيم من العذاب والقهر والظلم والذل مع زوج يستغل خوفها من لقب مطلقة فكان يذلها وينتهك كرامتها ويشتمها بأفظع الشتائم .
كانت هذه المرأة المطلقة تعيش وسط مجتمع ظالم استعبادي يقوم على استرقاق المرأة المطلقة ، ويعتبرها أنها ارتكبت ذنبا لا يغتفر بسبب طلاقها ، وأخيرا قررت هذه المرأة أن تستعيد حريتها وكرامتها فاختارت الانفصال وتحملت عواقب هذا الاختيار.
ثالثا:التحليل النقدي التفكيكي لرواية عطر قديم في لقاء الحياة:
العنوان ودلالته:
العنوان هو البوابة الأولى التي يعبرها المتلقي نحو النص ، وهو المفتاح الذي يفتح لنا أبواب النص المغلقة.
لذلك كان اختيار العنوان أمرا صعبا ، لأنه هو الكاشف عن المخبوء بين طيات النص.
وقد العنوان (عطر قديم في لقاء الحياة) عدة وظائف جمالية وفكرية ، فهناك رمزية العنوان ، فكلمة العطر رمز لرائحة المكان والنشوة والسعادة والجاذبية، ووصفت الكاتبة العطر بكلمة القديم لكي يأخذك عبر الزمن الماضي لاستعادة أجمل الذكريات الماضية مثل أيام الخطوبة الجميلة.
الفن الأدبي:
تندرج رواية (عطر قديم في لقاء الحياة ) للكاتبة اعتدال السباعي تحت فن السيرة الذاتية الروائية،وهو جنس أدبي يقوم على التطابق بين المؤلف والسارد والشخصية الرئيسة.
وهذا يؤكد للقارئ أن كل ما تقوله الكاتبة من أحداث ومواقف وانفعالات ليس خيالا أو كذب ، بل حقائق مرتبطة بحياة المؤلف ليس فيه أيه مغالطات ،وبما يكون هذا هو سر إعجابي برواية السيرة الذاتية .
استخدمت الكاتبة في سرد روايتها ضمير المتكلم ( أنا) وهو من أكثر الأساليب شيوعا للاستدلال على أنها سيرة الذاتية؛ لأن هذا الضمير يجعل الأحداث والحكاية المروية مندمجة مع روح المؤلف ويجعلك تشعر بالصدق؛لأنه يحيل إلى الذات(المؤلف والسارد والشخصية).
ومن أمثلة ذلك قول الكاتبة:
“راجعت حساباتي رغم ثقتي بصحتها ، فكم حاولت كسب وده بالكلمة الطيبة تارة ، وبالعشرة أخرى، ولكني غالطت نفسي ”
نلاحظ هنا قوة التطابق بين المؤلف والسارد والشخصية الرئيسة من خلال ضمير المتكلم (تاء الفاعل) الذي أعطى صدق الأحداث وواقعيتها ، وجعلنا نعيش الحدث ونشعر به كأنه أمامنا.
الصراع ونجوى الذات:
الصراع له دور بارز في رواية السيرة الذاتية؛ لأنه هو الذي يصور دواخل الشخصيات وما يدور فيها من مواقف متباينة ومتناقضة.
وينقسم الصراع إلى قسمين هما :
1-الصراع الداخلي : وهو الصراع الذي يدور بين الشخصية ونفسها .
وقد أجادت الكاتبة اعتدال السباعي استخدام تقنية الصراع الداخلي ببراعة شديدة ؛لتكشف لنا ما يدور في نفس المطلقة من قوى متصارعة من خلال صراع عنيف بين ما تشعر به من دونية واستعباد، وقسوة، وظلم، وجبروت ، وبين رغبتها في أن تعيش في عزة وكرامة حتى لو طلقت مرة ثانية.
ومن شواهد ها الصراع الرائع قول الكاتبة :
قالها مرارا: يجب أن نفترق.
قلت: ما عاش في قلبي سواك عشيرا، كيف ننتهي ؟ ولأي سبب ؟ ولأي شيء؟ أنت عندي أكبر من الحب ، ألفت رؤيتك أول اليوم وآخر اليوم.
كيف ستشرق الشمس إن غبت عني؟ أنت كالهواء في صدري.
إلى أين أنت راحل؟!
ترأف بقلبي ، ترأف بالعمر الذي عشناه سويا.
أن كرهتني فعسى أن تكره شيئا وهو خير لك ، لا أراني استحق القسوة والجفاء .
كنت لك زوجة مطيعة فما قصرت.
الصراع الخارجي:
أ-الصراع بين المطلقة وزوجها:
كشف لنا هذا الصراع ما يدور في أعماق الزوج من جبروت وقسوة وجفاء بدقة متناهية، و بين ما تتميز به المرأة من حنان وعطف ومودة
تقول الكاتبة اعتدال السباعي:
الزوج:
-ملابسك لا تروق لي
-لا تجيدين الطهي
-لن تفلحي ، لن تتعلمي.
-اسمك لا يناسبك.
هذا الزوج عشق امرأة أخرى وكان ينادي زوجته باسمها وتدعي أني امرأة سيئة عشرتها .
ب-الصراع بين المطلقة والمجتمع الاستعبادي الكريه.
تقول اعتدال السباعي:
سيدتي، وليقولوا مطلقة
لستِ على خطيئة
لا تشغلى البال
عيشي سعيدة
لن يطرق الباب
سيدتي النبيلة
تخيري السمو بالكيان
الحوار:
الحوار هو الذي يكشف عن خصائص الحدث وطبائع الشخصيات وما يدور بداخلها وأعماقها ، وقد ساهم الحوار في رواية عطر قديم في لقاء الحياة في نمو الأحداث وتطورها ،وكشف لنا عن الحركة النفسية والداخلية في أعماق شخصية المطلقة ، كما خفف الحوار من رتابة السرد وأضفى على الأحداث حيوية ومتعة فنية.
الحقيقة والخيال:
كاتب السيرة الذاتية يجب أن يتصل بالواقع اتصالا كبيرا ويبتعد عن الخيال؛ لأنه يتحدث عن حقائق مرت به وليس فيها أية مغالطات.
لكن الكاتبة اعتدال السباعي مزجت بين الواقع والخيال؛ لتسهم في عملية الخلق والابتكار ، لذلك نجد الخيال حاضرا عند الكاتبة في روايتها الرائعة عطر قديم في لقاء الحب.
تقول اعتدال السباعي:
” نحيب مكتوم يعصف بروحي ، وفرت دمعة من قلبي ، والدماء سرت تذبح عروقي، وأوصالي تُحتضر في كل سكنة ، وهو لا يدري”
نلاحظ أن الكاتبة استخدمت الخيال من أجل استبطان شخصية المطلقة ، وتصوير الأحداث الأليمة والمشاعر القوية ، وهذا واضح من قولها : فرت من قلبي دمعة ، الدماء سرت تذبح عروقي.
-ومن المحطات الخيالية التي اتكأت عليها الكاتبة قولها:
“إنهار صمتي بكلمات مثل زجاج شفيف مُكسر ”
هنا استبطنت الكاتبة دواخل شخصية البطلة كريمة المطلقة وصورت ما تخفيه من ألم وعذاب .
“تفجر جبل جليد ببركان ما كان له أن يحذر”
نجد هنا أن هذا التصوير الخيالي الجميل، فقد جسد لنا عمق الضغوط النفسية والألم المختزن في شخصية المطلقة ثم انفجارها نتيجة عجزها وانفلات صبرها.
وهكذا أضفت الكاتبة على روايتها من خلال توظيف الخيال الجمال والحيوية والعواطف والجمال على الأحداث رغم مرارتها وقسوتها.
الرمز:
وظفت الكاتبة اعتدال السباعي تقنية (الرمز) من أجل تجسيد عمق الرواية وإعطاء معاني غزيرة لما تعانية المرأة المطلقة من دونية واحتقار.
وقد برعت الكاتبة في توظيف بعض ألفاظ من القرآن الكريم لتعبر عن دونية وإهانة المرأة المطلقة من خلال نظرة المجتمع والناس لها ، فقد وصفها زوجها بأنها :
موقوذة ، ومتردية ، ونطيحة ، وما أكل السبع.وكلها كلمات تدل على الإهانة والدونية والسقوط .
-وقد أخفت الكاتبة أسماء الأزواج والأبناء والأماكن لتكون رمز لكل زوج ، ولكل ابن ولكل مطلقة.
-كما رمزت لنا اعتدال السباعي لانهيار العلاقة الزوجية ، وانتشار الخلافات وعدم التوافق بهذه الأبيات الجميلة:
اهتز عرش الود
والفجر لوح مودعا
وغرب الضحى
عن جنة أرضنا
نلاحظ أن : اهتزاز عرش الود ، الفجر مودع ، غرب الضحى ، كل ذلك رموز لانهيار العلاقة الزوجية .
نلمس مما تقدم مدى توفيق الكاتبة اعتدال السباعي في توظيف تقنية الرمز للتعبير عن خفايا كثيرة ، وكان الرمز مقنعا للقارئ لقوة العلاقة بين الرمز والمرموز إليه، وقوة المشابهة بينهما، وهذا ما أكسب الرواية صفة المزج بين الواقعية والخيالية.
السرد:
استخدمت الكاتبة عدة أشكال سردية للتعبير عن أحداث روايتها الرائعة منها:
-الاسترجاع:
استخدمت الكاتبة استرجاع الأحداث، من أجل ملء فراغات الأحداث ، وإثراء النص .
فقد رجعت الكاتبة إلى الزمن الماضي كأيام الخطوبة السعيدة لتوضح مدى المفارقة بين ماضيها السعيد وحاضرها الشقي.
“اليوم خطبتنا ، وأطلق للشكوى العنان ، وادعى أنه تجرع كأس المرارة ، واأسفى، سقط القناع …”
-التفاصيل:
استخدمت الكاتبة تفاصيل السرد؛ لتعطى طابع الدقة والتوضيح
تقول الكاتبة:
“لم يخفني ذلك الصباح ، ثلاث شعرات بيضاء ظهرت في مقدمة رأسي ، فالمعاناة التي كنت عرفتها في الحياة جعلتني أرى في الشعرات البيضاء حياة من نوع مختلف.
-تداخل الأجناس الأدبية:
فكرة نقاء النوع الأدبي، وعدم اختلاطه بنوع أخر من أنواع الأدب أصبحت فكرة كلاسيكية لا وجود لها الآن ؛ لأن فضاء الرواية يتسع للعديد من الأجناس الأدبية.
وقد استخدمت الكاتبة جنس الشعر؛ ليحقق المتعة،والجمال والحيوية، على الأحداث الدرامية، ويبعدها عن جو التقرير الجاف ومن خير النماذج على ذلك:
أبصرته نورا:
حسبت حياتي بدونه ظلاما
أحببته حياة
حسبت حياتي بدونه فناء
أدركته كنوزا
حسبت حياتي بدونه بورا
حدث جلل
دق على وتر.
وأخيرا:
أقول للكاتبة السعودية اعتدال السباعي :
أنتِ حقا جوهرة نادرة من جواهر الإبداع ، بارك الله فيك ، أنتِ تستحقين أن تُحلقي في سماء الرواية ، دمتِ متألقة، وزادك الله من علمه وفضله.
بقلم الناقد الأدبي د/عادل يوسف