” حنظلة من الفغلة إلى اليقظة ” إنجاز جديد للمسرح الجامعي
" حنظلة من الفغلة إلى اليقظة " إنجاز جديد للمسرح الجامعي

” حنظلة من الفغلة إلى اليقظة ” إنجاز جديد للمسرح الجامعي
بقلم . نور كريدي
أكتب للذّكرى، وأتأمّل ميزانَ زمانٍ تتأرجح كفّتاه بين القُبْح والجمال، فمن وَسط الخراب الذي يأكلنا، والتّخبُّط الذي يعتري عودَنا الغضّ، تُفتَح ستارة المسرح، وأن يدعوكَ المسرح يعني أن تدعوك الحياة لترى وجهًا حقيقيًّا، قد يكون وجهك، أو وجوه آخرين تعرفهم، أو وجه ماضٍ حاضرٍ آتٍ من عام (1978) رسمتهُ يَدٌ جريئة خُلقت لكاتبٍ اسمه سعد الله ونّوس، فتبدأ الرّحلة.
اليوم، وعلى منصّة أحد مُدرّجات كلّيّة الصّيدلة في دمشق؛ لأنّه ما من مسرحٍ جامعيٍّ لدينا، كان العرضُ المسرحيّ (رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة) المأخوذ عن المسرحيّة نفسها لسعد الله ونّوس، هذه المسرحيّة التي تكبرنا بواحدٍ وأربعين عامًا، لكنّها تشبهنا كما يشبه الإنسانُ الإنسانَ في كلّ زمانٍ ومكان، وغرفها تحكي قصصًا تتداولها أيّامنا:
فمن غرفة السّجن التي يُزجّ فيها ظُلمًا (حنظلة) السّاذج، الأبيض الذي لم يُشوّهه الواقع، لكنّه لم يدعه وشأنه، لأنّه ليس من حلفه، إلى غرفة نوم حنظلة المخدوع بزوجه التي رمته كما ترمي قُلامة ظفرها من أجل ذَكَرٍ آخر “لا يمشي الحيط الحيط ويقول يا رب السترة”، إلى غرفة الدّجّال الذي يتخفّى باسم الدّين ليزرع السذاجة في عقول أمثال حنظلة، إلى غرفة الطبيب المجازي الذي يُراد به مصادر الإعلام الفاسد الذي يوجّه العامّة من أمثال حنظلة إلى ما يُراد لهم من أدوار ثانويّة لا تكشف زيفًا، ولا تصرخ في وجه باطل، فتدور الدنيا في هذه الغرف إلى أن يعرف حنظلة حقيقة هذا الواقع، وكمّ التهميش الذي عانى منه كأداة في يَد الغير.
هذه الغرف كلّها دارت بنا مع أحداثها بعين الصديق المخرج (أسامة العلي) الذي يريد للمسرح الجامعي مثلما يريد له أيّ مثقّف؛ أن يكون أساسًا لا هامشًا في حياة الجيل، بوصفهِ المرآة الأصدق للواقع عندما يعكسها عليه كاتبٌ يريد وجهه الحقيقي.
كي لا أنسى، فإنّ هذه المسرحيّة قُدّمت بأدوات بسيطة، كان يمكن مع الدّعم أن تكون أفضل، وتخدم العمل من حيث الديكور الذي أخذ من وقت فريق المسرحيّة وهو ينتقل بين المشاهد على أيديهم بينما كان من الممكن أن يكون لكل غرفة ديكورها، يُسلّط الضّوء على غرفة المشهد الحالي، والّلوم لا يطال هذا الفريق الذي اجتهد لتصل فكرته؛ إذ لم يكن بالإمكان أفضل ممّا كان، وأيًّا كان النّقص الحاصل فهو حاصل في كلّ عملٍ لا محالة، لكنّ ما رفع نجم هذا العمل أنّ أصحابه يحبّون ما يفعلون، وتجمعهم الحياة مثلما جمعهم المسرح.
والجدير بالذِّكْر أنّ العمل لم يكن نسخةً طبق الأصل عن مسرحيّة ونّوس، فقد أخذ ملامحها الأساسيّة، وألبسها ثوب ما نمرّ به من أزمات نفسيّة، وعاطفيّة، واجتماعيّة، بنَفَسٍ فَكِه، وحِسٍّ ساخرٍ يكسر لدى المتلقي حِدّة الحقيقة، وهذا ما يُحسَب للمخرج كفكرة، وللممثلين كأداء.
وآخرُ الكلام شُكرٌ لكلّ من حضر، واهتمّ، واحتفى، وعلى رأسهم د.منيرة فاعور، القريبة الحاضرة دومًا.