شعر و ادب

قراءة نقدية في رواية ” خبأته في قلبي ” لكاتبتها جيهان مصطفى

قراءة نقدية في رواية " خبأته في قلبي " لكاتبتها جيهان مصطفى

قراءة نقدية في رواية ” خبأته في قلبي ” لكاتبتها جيهان مصطفى

علام عبد الهادي

تتعقب حياة الشخصية المركزية في الرواية جواباً على السؤال الذي عاد صداه إلى ساحة وعيها وكانت قد أوقدته المعلمة سلوى في نفسها منذ سنيِّ طفولتها الأولى كتلميذة..وتكرّرَ في محاولات الاختراق هذه ضرباً في الأعماق وهي دون سواها قرأت في كتاب روحها حسب تعبيرها على تناص مع جورج مور في عبارته : ” إنّ المرء ليطالعُ ماضي حياته مثلما يطالعُ كتاباً قد مزّقت بعض صفحاته وأُتلفَ منها الكثير…”
مفتتح الرواية هذا المعنون تحت “جذوة السؤال”:
متبوعاً بآية قرآنية ” ويسألونك عن الروح…”
ليكن محفزاً في البحث عن الحقيقة، والإمساكِ بجمر اليقين..
هذا اليقين الذي يفتح حواراً مع البطلة حياة ويتجلى لها عبر رؤى وخواطر تدخل من باب الحدس والأحلام..هذا الحدس المشرعة أبوابه على الإدراك العميق لما يحمله الخوض من صراع مفتوح الجبهات والاتجاهات مع الذات أولاً والوسط المعاش فيه ومعه..
وعبر متخيل سردي يطغى طيف الحقيقة على ماسواه وإن كان العرض لجوانب عديدة من الواقع في ظروف صعبة ومتناقضة…
ورصدها لمجريات الحرب على الإرهاب..
إلا أنّ المسار الأهم والأكثر تحريضاً للجوانب الفكرية والروحية الشاغلة حتى الأرق في يوميات حياة..
تعمدت الكاتبة جيهان إفراغ مافي خيالها من رؤى وأفكار أنطقتها على ألسنة شخوصها..فحاولت التواري كراوٍ خلف البطلة حياة في محطات كثيرة . إلا أنّ السمة الأبرز تتابعاً للأفكار واتجاه الحوار في النزوع الفلسفي للطرح خصوصاً مع الأستاذ غريب..والوالد الذي كانت تلجأ إليه لتاويل أو تفسير عبارات حضرت مع حوارها مع الأستاذ غريب ينقلها من الشعور بالضياع إلى جواب مؤكد يساعد على ولادة جديدة..
البحث عن الذات ومعرفتها من دون النظر إلى المرآة أي بالغوص في ماهو أعمق من الإدراك..
وهو أمرٌ شاق محفوف بصراع طويل يضعنا على حواف التشظي ونار القلق..
عقدة التأرجح بين نقيضين الأستاذ غريب الحاضر المحسوس و”الآخر” المجرد غير المجسد لكنه الحي، وليس الحاضر وشتان في المعنى بين الحي والحاضر..
لكنه المدرك بالوعي العميق وحالة العرفان والحب والذوبان شوقاً واحتراقاً ..
وهذا “الآخر” يقينٌ مفتاحه السؤال الدهشة..
وهو عتبة الوصول إلى صرح الحقيقة..وفيه عالم الكشف والإشراق..إنها الكاتبة تثير الجدل الفلسفي بين الوجودي واللاوجودي..إنها تفتح لأسئلة العقل عن الروح ولوجاً إلى الميتافيزيقيا..تريد جواباً عن الماوراء..من خلال عينين تكلمانها لتشهد متعة الوصول في طريق تكابدها فيه التجارب والمحن كي تنقى خالصة من شوائب الشك..
في البناء والأسلوب والسرد:
إنّ لبناء الأحداث علاقة حتمية بالسرد وطبيعته مايبرر تناوله في سياق وصف الأساليب السردية وأهميتها قاد الكشف عن مجريات الأحداث إلى متخيل سردي ثنائي الاتجاه وهذا نادر الحدوث لدى الرواة والمقصود هنا السرد الاستعادي لمرحلة ذاتية ابتدأتها الكاتبة من سؤال المعلمة سلوى انتهاء إلى حين الصحوة الذي يبين لنا بوضوح طغيان أسلوب السرد الحلمي..
التمازج الفني بين الأسلوبين فرضته طبيعة السياق لحركة الذات الكاتبة وكأننا على سيرة ذاتية أتمت لحظة حضورها لإدراك الذات..
وهي تقف بوعيها الراهن لتواجه وعيها الماضي بكل مواقفه وأحداثه كحالة متقدمة في وعي الوعي وتأكيد قدرته أي الوعي على ضبط التوازن تجاه الماضي وأحداثه عبر استحضار يطال الحاضر ويمتد إلى المستقبل محملاً بتبعياته وملقياً آثاره خارج نطاقه الزماني المكاني..
حقيقة الأمر أنّ الروائية جيهان في بنائها الفني هذا لم تتقصد عرضاً لسيرةٍ ذاتية بقدر ما ترمي إلى اتباع الحدس الذي يقودها طائعة راغبة على قلقٍ وخوف بعض الشيء وصولاً إلى صرح الحقيقة معرفةً ويقيناً..
لكن الطبيعة التي انتهت إليها في الأسلوب أدى إلى التداخل المضمر للسرد السير ذاتي ضمن السرد الحلمي التنبؤي الذي عقدت عليه النية لتؤدي فروض العشق ابتداءً من العينين التي رأت نفسها فيهما..
بقي الخطاب السردي واضحاً بين حياة والآخر المجرد كلّ على طريقته فهي تلجأ إلى الحلم لتدخل الملكوت وتسوح في عالم الإشراق لينتهي الحلم بعبارة :
حياة استيقظي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى