” للهواءِ عكازةٌ ولي.. بقلم الكاتبة ولاء الرحمون
” للهواءِ عكازةٌ ولي..
بقلم الكاتبة ولاء الرحمون
ها أنا هنا .
في مكانٍ يتلوّثُ بصوت لحن طيرٍ مذبوح ، ويتقمّصُ روح حمامةِ نصرٍ على شراعِ راية القدس .
لأنغرسَ وردةً في هوامشِ الأسطرِ المتعفنةِ من دمِ العيون
وأكتب . . . !
شُكراً بدايةً على لا لشيء .
وشكراً لجعلي أكتبُ مرثيةً تعلنُ الحدادَ على قافيتها فتلبسها رداء البكاء . !
وأقول :
أعيشُ ها هُنا في ظُلمةٍ حافية.
أنادي للزمنِ الذي سُملتْ عيناهُ كالملكِ أوديب!
أرادَ أن يغفرَ ذنبهُ بذنبٍ أبديٍّ آخر .
أعيش كوردةٍ محاصرة خلفَ سياجِ وقتٍ أصمّ .
كالملكةِ اليزابيث تتشرّبُ الدّم لتحافظَ على ورْدَةِ خدٍّ وحيد .
أرسمُ كهتلرِ النرجسيّ ؛ أرادَ أن يبعثر قاعَ المدينة بأناملَ عاجية، فحكمَ على أبديّةِ الوقتِ بالتحرّرِ من قيدها بالموت !
كغرورِ نرسيس عندما رأى في مرآةِ ظلّهِ هوساً للجمالِ فباتَ وردةً في نهرٍ بكاهُ إلى أن رثاه .!
كأمّ ندبتْ ، ثكلتْ ، نزفتْ مواجعاً هائلة .
بوطنٍ كالمحيطِ يغسلُ ذنبَ غيمةٍ نزفت دماً لا يُرى .!
وكديكِ الجنّ ؛ الذي أشعلَ رمادَ زوجتهِ حطباً وأحرقَ نسوةَ الكونِ بيديه فباتَ ندمانَ يروي كأسَ شفتيهِ علقما بحزنِ كآبةِ مرثية بقوافٍ خرساء .
فشكراً لكم .
ها أنا هُنا .
تحتَ مشنقةِ الموتِ أبكي وحيدة .
هُناكَ . . هُناك .
حيثُ سجن الغيوم .
من ظُلمةِ شهداءِ القبور .
ومن حبّةِ قمحٍ بينَ كومةٍ من لهب .
أعيشُ بينَ غيمتين وهضبة .
إذ اعتقلت فراشةٌ بزندِ رصاصةٍ مصلوب .!
إذ طُعنت يمامةٌ جريحة بخنجرٍ مسموم .!
وإذ أصبحَ الموتُ ها هُنا قضيّة شرفٍ وانتصار.
أحملُ جسدي إلى أشرعةِ الشهادة كما يُحملُ الوطنُ فوقَ أكتافِ السماء .
وأهتفُ .
أضناني الحنينُ إليكَ يا وطني .
رحّالةٌ أنا في المنفى .
أصبحتُ كنحلةٍ غريبة .
أتوقُ لرؤية ملاحمكَ العظيمة .
أغنّي الآن بصوتِ الإيمانِ .
سأعودُ لجبالي .
سأعودُ لقدسي .
سأحملُ مجدكَ على مرّ الدّهور .
فشكراً لكم . . شكراً لكم .
للسماءِ جرحٌ ترممهُ الغيومُ ولي .
أسرقُ جسدي من خلفِ شجرةٍ تتوضأُ بدمي .
وأكتبُ على خاصرةِ الرّيحِ ما محاهُ التراب .
ليتبعنا خطواتِ الزّمنِ فرادى
وأفرشُ وجعَ الرّوحِ على حجرِ الوسادة .
لتحتضنني يدُ الشّمسِ الباردة
ويدفئني سوادُ الثلجِ الكاذبِ .
فسأبقى منتظراً . . إلى أن ترتفعَ السّماءُ عنّا قليلاً .
فشكراً لكم . . شكراً لكم .
شكراً
للعقمِ في رحمِ الأرض .
لتلطّخِ حجرٍ بالجثث .
للغرابِ الهاربِ من سوأتها .
لقابيلَ الذي رحلَ دونَ أن ينهي مهزلة الصحراءِ هذه .
هل كانَ لا بدّ من الموتِ لنعرف !
شكراً لخدعةِ البياض .
شكراً على الخنادقِ والقبور .
شكراً لكسرِ قامةِ الرّيحِ .
شكراً .