لماذا آسفي ! محمد البوعناني

لماذا آسفي
آسفي مربط فرس عقبة ابن نافع الفهري أو حاضرة المحيط كما سماها ابن خلدون المدينة التي جردت التاريخ من حتميته و تمردت عليه و سلبته سلطته لتقول له سر أمامي مطأطأ الرأس دليلا فأنا السيدة و أنت الخادم أنا النبع و أنت الرافد و بداياتك لم يكن لها معنى أو وجود إلا من بعدي !
آسفي المدينة التي كانت جميلة هادئة و راقية بحضارتها المستمدة من طبع و تطبع أهلها المتميزون بحمولاتهم الثقافية المتنوعةالمشارف و المنابع العربية البربرية الأندلسية الموريسكية و اليهودية، و الشاهد على ذلك أسماء عائلاتها و عاداتها و تقاليدها و طقوس أعراسها و حلوياتها المتفردة و تسميات سمكها و أحياءها و أزقتها…
آسفي المدينة المقاومة بامتياز و منذ أمد جد بعيد ! مقاومة بتربتها و أسوارها و بحضارتها و ثقافتها و برجالها لصد غزو امتد من الفينيقيين إلى الفرنسيين مرورا عبر الرومان و البرتغاليين.
آسفي المناضلة ذات التاريخ المشرف و منذ فجر الاستقلال صارت مستهدفة من طرف الجميع تعرضت لهجرات قروية ممنهجة موازاة مع تعمد تحويل طابعها الثقافي الاجتماعي الاقتصادي التقليدي إلى الطابع الاقتصادي الصناعي البشع الملوث للهواء والبحر البر ! هذا الذي يتمثل بالخصوص في معامل تكرير الفوسفاط و الكبريت
و الأمونياك التي تستعمل الإنسان كيد عاملة رخيصة و بدون شفقة و لا رحمة! تحول كان أولى ضحاياها تخريب مواطن و مبايض سمك السردين و إفلاس و خراب حي معامل تعليبه بأكمله ! مدينة أريد لها
أن تعيش دائما في جلاليب مدن أخرى كتابعة تتأرجح من بيروقراطية الإقليمية أو فظلات الجهوية تارة ضيقة و تارة موسعة إلى أديال الوجهات السياحية من مراكش إلى الصويرة مرورا بالوالدية
هذا التحول الذي ضرب مورفولوجية المدينة و طمس معالم الحضارة و ملامح التمدن، لتمسخ و لتصير عبارة عن أطلال أو شبه مدينة لتتقهقر و توضع في مصاف القرى المنسية !، مدينة قيل أن الداخل إليها يبكي و الخارج منها يبكي و الآن صار كل من عليها يبكي و يطيل في البكاء في زمان لم يعد فيه معنى للبكاء ! فبأي ذنب توبعت و بأي صك توقيت و وئدت هذه المدينة المنكوبة ؟ أسئلة كثيرة و محيرة لم نلقى لها جواب ! و يبقى السؤال المحير: لماذا آسفي
محمد البوعناني