
هل هناك دولة مماليك ثالثة؟
بقلم …محمود سعيد برغش
من المعروف أن التاريخ المصري شهد عدة مراحل من حكم المماليك، بدءًا من الدولة المملوكية الأولى، مرورًا بتأسيس الدولة المملوكية الثانية في ظل العثمانيين، ثم وصولاً إلى سيطرة الجيش المصري في العصر الحديث. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك “دولة مماليك ثالثة”؟
الدولة المملوكية الأولى تأسست بعد اغتيال طوران شاه، آخر سلاطين الأيوبيين، وبداية حكم شجرة الدر ثم الأمير أيبك. مع مرور الزمن، توالى سلاطين المماليك، الذين كان حكمهم يعتمد على القوة والدماء، وقد انتهى حكمهم على يد العثمانيين الذين دخلو مصر في عام 1517 بعد قتل آخر السلاطين المماليك.
ثم جاء العثمانيون ليحكموا مصر، ولكن المماليك استمروا في ممارسة السلطة في إطار محدود من خلال شيوخ البلد وأمراء المماليك الذين ظلوا في مناصبهم. ومع تزايد الظلم والتعسف من قبل العثمانيين، أصبح المماليك عنصرًا فاعلًا في الصراع الداخلي بين الأمراء.
لكن الحسم جاء مع دخول الفرنسيين في حملتهم على مصر عام 1798، حيث تمكنوا من القضاء على النفوذ المملوكي، ليتولى محمد علي باشا الحكم في البداية، مستفيدًا من دعم بعض أفراد الشعب المصري. إلا أن محمد علي اكتشف سريعًا أن القوة الفعلية تكمن في المماليك، فقرر القضاء عليهم بذكاء وخداع، مما أدى إلى انقراضهم بشكل شبه كامل في بداية القرن التاسع عشر.
هل هذا يعني أن “عصر المماليك” قد انتهى؟ ربما كان ذلك نهاية المرحلة الأولى والثانية، حيث انقضت “دولة المماليك” بمختلف ألوانها وأشكالها.
وبعد ثورة 23 يوليو 1952، انتهت فترة الحكم الملكي، وتولى الجيش المصري الحكم بقيادة جمال عبد الناصر، الذي فرض سيطرة شديدة على السلطة، موجهًا البلاد نحو سياسة اشتراكية. ثم توالت فترات حكم الجيش، ليظل الجيش المصري هو من يتحكم في دفة الأمور حتى اليوم.
على الرغم من أن الجيش المصري يشترك مع المماليك في كونه قوة عسكرية تدافع عن الوطن، إلا أن الفارق الجوهري بين الاثنين يكمن في أن المماليك لم يكونوا جزءًا من المجتمع المصري، بل كانوا من أصول غير مصرية، في حين أن الجيش المصري يتكون من أبناء الشعب المصري. لهذا، يمكن القول إنه لا يوجد “دولة مماليك ثالثة”، بل إن مصر اليوم تحت حكم الجيش الذي يمثل أبناء شعبها، وهو فارق مهم بين الحقبتين.
باختصار، رغم استمرار القوة العسكرية في تشكيل السلطة في مصر، إلا أن عصر المماليك قد انتهى بالفعل، وأصبح الجيش هو القوة المؤثرة اليوم في البلاد.