أجيال مختلفة من القاصين والشعراء يحيون أمسية أدبية متميزة في ثقافي ” أبو رمانة “

أجيال مختلفة من القاصين والشعراء يحيون أمسية أدبية متميزة في ثقافي ” أبو رمانة “
محمد خالد الخضر
أقام المركز الثقافي العربي ” أبو رمانة ” أمسية قصصية شعرية بعنوان ” نفح ربيعٍ و ارتحال شتاء ” بمشاركة كل من الشعراء والقاصين : قحطان بيرقدار ، محمد نذير جبر ، ابتسام الحروب . والقاصين : الدكتور محمد عامر مارديني ، عماد نداف . وبإدارة ومشاركة الأديب سامر خالد منصور .
تنوعت المشاركات من حيث الأسلوب لتشمل الشعر الموزون والمحكي و في القصة الفنتازيا والأدب الساخر و استخدام الرمز .
جاءت المحطة الأولى مع الشاعر الشاب محمد نذير جبر الذي قدم ثلاث قصائد من فئة قصيدة النثر حملت عناوين ” أصوات ، آن للشعراء أن يعرفوا ، الآن ” اتسمت بكثافة الصور الشعرية المعبرة وتناولت القصور في بعض المفاهيم في الوعي الجمعي لبعض شرائح المجتمع .
ومن جهتها شاركت الشاعرة ابتسام الحروب بقصائد غير معنونة وبقصيدتين ” ارتجاف الحرف ، إلى شهيد ” تناولت بقصائدها تضحيات الجيش العربي السوري التي استطاع السوريون عبرها تحقيق النصر رغماً عن المتآمرين والانتهازيين ، وانتقدت أولئك الذين وصفوا بأنهم ” تجار أزمة ” لأنهم لم يمارسوا واجباتهم الأخلاقية والقيمية تجاه وطنهم ولم يقتدوا بأبطال الجيش العربي السوري في تقديم التضحيات ، بل ذهبوا باتجاه مصالحهم الضيقة جالبين العار لأنفسهم .
تنوعت مشاركة الشاعر قحطان بيرقدار بين شعر النقد الاجتماعي والشعر الوجداني الرهيف ، وقد حملت قصائده العناوين الآتية : ” في حضرة الحرب ، خسارة ، قصيدة إلى حبيبتي ” .
تناول بيرقدار الأثر العميق للحرب على سورية في نفوس السوريين ، لكون تلك الحرب كانت مشحونة بكل ما هو هدّام وعبثي و دوني ، مما شكل صدمة للسوريين كونهم أبناء حضارة عريقة تقوم على قيم سامية منافية لتلك الدخيلة ،
كما عمل الشاعر قحطان بيرقدار في قصائده إلى تفنيد بعض أكاذيب المتآمرين وتبيان الفارق بين الفكر الماضوي الذي سعى أزلامهم إلى بثه وبين الفكر التقدمي الذي يلبي تطلعات السوريين ،
وقد امتازت قصائده بالإيجاز والتكثيف فجاءت الصور الشعرية مشبعة بالدلالة ، وقد سعى من خلال قصائده إلى تكريس كثيرٍ من القيم الحضارية التقدمية .
وبدوره شارك الدكتور محمد عامر مارديني بقصتين ، نحى فيهما نحو الأدب الساخر ، وفي قصته بعنوان ” مقتل حمار في ظروف غامضة ” انتقد ظاهرتي الحسد والطمع ، وعبر من خلال سلسلة من الاسقاطات عن خطورة ممارسات من ينشد المصالح الضيقة
على حساب أصحاب الكفاءات في حال شكلوا عقبة في طريقه لتحقيق مآربه ، حيث جاءت نهاية قصته تلك نهاية حزينة تتمثل بمقتل صاحب الكفاءة ومن في صفه على أيادي الجشعين والحاسدين .
وفي قصته الثانية بعنوان : ” سلطة ملفوف ” تطرق مارديني إلى الأساليب المبتكرة التي قد يعمد إليها بعض الناس لإخفاء سلوكيات غير لائقة وتضليل من حوله عما يحدث في حقيقة الأمر .
وفي مشاركته قدم القاص عماد نداف قصة بعنوان : ” يوم عطلة ” تناول فيها العلاقة بين الأم والجيل الصاعد من جهة ، والوطن والجيل الصاعد من جهة أخرى ليتضح في الخاتمة ذات الأبعاد الرمزية أن كلا الجهتين هي جهة واحدة
حيث يكتشف بطل القصة اليافع أن الوطن هو الأم الكبرى بكل ما تختزنه رمزية ” الأم ” من معانٍ عميقة ، فيترك بطل القصة بلاد المهجر ويعود إلى الوطن بعد تجارب جعلته يدرك قيمة الوطن الحقيقية وبأنه كالأم التي لا يمكن استبدالها بكل نساء العالم لأنها هي من حملنا صغاراً وما اشتدَّ عودنا إلى من نسغ الحياة المتدفق في عروقها .
وقد قدّم القاص عماد نداف هذه الفكرة بطريقة جديدة غير مطروقة حيث بدأت القصة بشاب لا يكترث للمواد الدراسية ، ويلقي بكتب الحساب و غيرها من العلوم لكنه احتفظ بكتاب الجغرافيا بهدف الهجرة ، ليكتشف لاحقاً أن جغرافيا الوطن ليست في كتابه فقط بل هي تتماهى مع جغرافيا الروح ، فآب إلى وطنه وقد أثبتت له التجارب ألّا بديل عن الوطن .
وقد امتازت المشاركات القصصية للقاصين مارديني ونداف بلغة رشيقة واسقاطات عميقة وحبكة محكمة شاقت المتلقي لمتابع القصص بشغفٍ يليق بفن القصة .
وجاءت المحطة الأخيرة مع الشاعر سامر خالد منصور الذي قدم ، قصيدة بعنوان ” الموج أكفٌّ راعشات ” تطرق فيها إلى معاناة الطفولة نتيجة الحرب ، وصور مأساة الأطفال السوريين الذين دفعت ظروف الحرب القاسية ذويهم إلى التشرد خارج سورية
، وقد عمد منصور في قصيدته إلى أنسنة البحر وألبسه ثوب المتعاطف مع غرقاه حيناً والجاني عليهم حيناً آخر والمحايد حيناً آخر
، وقد جاءت قصيدته ثرية بالإسقاطات والمشهديات المعبرة عبر ائتلاف الصور الشعرية ، وثرية بالمجاز العالي واستطاع كعادته إضاءة قضايا إنسانية لم تأخذ بعد نصيبها الذي تستحق من الإضاءات الشعرية .