محافظات

أهمية زيارة الرئيس السيسى إلى الهند لبناء تكتلات إقتصادية لمصر مع مجموعة البريكس

أهمية زيارة الرئيس السيسى إلى الهند لبناء تكتلات إقتصادية لمصر مع مجموعة البريكس

 

 

تقرير الدكتورة/ نادية حلمى

 

الخبيرة فى الشؤون الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

مثلت الدول الآسيوية تجارب ناجحة على مستوى التكتلات الاقتصادية، ومن هنا كان سعى القاهرة لأن تكون جزءاً من تكتلات عالمية ذات طابع إقتصادى لما يمثله ذلك من ثقة فى قدرة الدولة المصرية على النهوض بقطاع الإقتصاد لديها، وفى الآونة الأخيرة تم طرح الرغبة المصرية في أن تكون جزءاً من مجموعة البريكس، وهو تحالف إقتصادى يضم البرازيل وروسيا والهند والصين، وتم تأسيسه فى عام ٢٠٠٦، وإنضمت إليه جنوب أفريقيا لاحقاً فى عام ٢٠١٠.

 

ويعد منتدى بريكس منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجارى والسياسى والثقافى بين الدول المنضوية بعضويته، مع الأخذ بالحسبان أن البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، يمثلون ما يقرب من ربع الإقتصاد العالمى، وساهموا بأكثر من نصف النمو العالمى فى الأعوام الماضية، وتنتج تلك الدول حوالى ٣٠% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات فيما يمثل تعداد مواطنيها ٤٠% من تعداد العالم. وقد تبنت دول البريكس العديد من المبادرات لدعم التعاون فيما بينها فى المجالات المختلفة، منها تأسيس بنك للتنمية برأسمال قدره ١٠٠ مليار دولار لتمويل مشاريع التنمية فى الدول الأعضاء.

 

وتعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للهند، زيارة إستراتيجية وطنية فى المقام الأول لتسهيل دخول وإنضمام مصر لتجمع البريكس الإقتصادى الدولى بمساعدة دولتى الصين والهند، لذا أتت زيارة الرئيس السيسى للهند وقبلها الصين ضمن جولات الرئيس السيسى الناجحة التى تعزز التعاون والتواصل مع الدول الآسيوية، وعلى رأسها دولتى الصين والهند، وتحاول مصر من خلال تلك العلاقات الدخول لتجمع البريكس العملاق، بما يساهم فى تعزيز التعاون المصرى مع دول مجموعة الآسيان ونطاقها الجغرافى والإقليمى، عبر العديد من المحاور وسبل تطوير التعاون مع مصر وتلك الدول فى مختلف المجالات، ولاسيما الإقتصادية والإستثمارية والتنموية فى ضوء التجارب التنموية المتميزة للهند والصين ولتلك الدول فى تحقيق التنمية الشاملة، وكذلك تقدمهم فى الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، بالإضافة إلى تقاربهم جميعاً مقارنةً برؤية واشنطن والغرب تجاه عدد من القضايا ذات الإهتمام المشترك، وفى مقدمتها قضية الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وجهود مكافحة الإرهاب.

 

وبمناسبة زيارة الرئيس السيسى للهند، فلم تكن تلك هى زيارته الأولى لها، فقد زار الهند بالفعل فى عام ٢٠١٦ ضمن جولة آسيوية، وإلتقى خلالها بنظيره الرئيس الهندى برناب موخرجي ورئيس الوزراء ناريندرا مودى وكبار المسؤولين فى نيودلهى.

 

ونجد أن هذه الزيارة الحالية للرئيس السيسى للهند، تؤكد أن الرئيس “السيسى”، يمتلك خبرة سياسية وإقتصادية كبيرة، يستطيع من خلالها فتح المزيد من المجالات الإستثمارية والإقتصادية لمصر، متطلعاً خلال زيارته للإستفادة من النهضة الإقتصادية لدولة الهند، وما حققته الهند من معدلات نمو سريعة ومتنامية، ويمكن لمصر هنا الإستفادة من هذه التجربة الهندية المتسارعة، والتى سوف يكون لها آثاراً إيجابية على مصر فى مجالات عدة، مثل: زيادة الصادرات ورفع معدلات الإنتاج وفتح مجالات الإستثمار ودفع عجلة التجارة والإقتصاد المصرى للأمام، نظراً لأن دولة الهند من أفضل دول العالم تطبيقاً للديمقراطية وحققت فى السنوات الأخيرة تنمية إقتصادية، وإخترقت مجال التكنولوجيا بشكل فعال وأصبح المنتج الهندى يحتل مكانة قوية عالمية ذات جودة عالية على الرغم من زيادة تعداد سكانها عن مليار و ٢٠٠ مليون نسمة، إلا أنها إستطاعت أن تحقق الإكتفاء الذاتى بعد ثورتها الزراعية الهائلة التى قامت بها.

 

وتجمع مصر والهند علاقات سياسية متميزة، إلى جانب العلاقات التجارية والإقتصادية التى شهدت نمواً ملحوظاً خلال الأعوام الماضية رغم تباطؤ نمو الإقتصاد العالمى.

 

ومن المتوقع أن تشهد زيارة الرئيس السيسى للهند قائمة بمشروعات مشتركة جديدة يمكن للهند تنفيذها فى العاصمة الإدارية الجديدة، منها مشروع إنشاء مدينة طبية على مساحة ٣٥٠ فداناً، تتضمن إقامة عدد من المستشفيات ومدارس للتمريض، فضلاً عن إنشاء جامعة هندية متخصصة فى الطب، وفقاً لما تم الإتفاق عليه مع الجانب الهندى.

 

وفى إعتقادى فإن زيارة الرئيس السيسى للهند، تعد إنجازاً سياسياً وإقتصادياً هاماً يؤكد على وجود مصر كركيزة للإستقرار والتنمية فى المنطقة، وستكون مناسبة جيدة لطرح وتوضيح مصر للجانب الهندى وللمجتمع الدولى ما تقوم به مصر، وترويج لبرنامجها الإقتصادى ورؤيتها العالمية بشأن الإدارة الإقتصادية، مما يتيح الفرصة لمصر لعرض برنامجها الإقتصادى لتسهيل دخولها عضوية مجموعة البريكس الإقتصادية العملاقة بمساعدة الصين والهند فى المقام الأول، بما يسهل عملية جذب الإستثمارات الأجنبية لمصر وتعزيز النهوض الإقتصادى وتحسين الأحوال المعيشية للشعب المصرى.

 

وهنا تجدر الإشارة بأهمية زيارة الرئيس السيسى للهند، فى دفع عجلة توجيه السياحة الهندية إلى مصر وزيادة أعداد السياح الهنود الوافدين إلى مصر، ومن المتوقع خلال زيارة الرئيس السيسى مناقشة زيادة عدد رحلات الطيران بين مصر والهند، بالنظر لأن الهند من أهم شركاء مصر التجاريين فى آسيا، وتشهد نمواً إقتصادياً متسارعاً. كما أن السوق الهندية تمتلك العديد من الفرص لنمو صادراتنا، خاصةً فى قطاعات الكيماويات، والبلاستيك، والأسمدة والفاكهة والحاصلات الزراعية كالقطن، والمنتجات اليدوية من النسيج، والجلود والرخام والجرانيت ومنتجات الألبان، والصناعات المعدنية، والحديد والصلب والبترول الخام، وغيرها.

 

وستسعى مصر لتفعيل الإتفاق بين الحكومتين المصرية والهندية على زيادة حجم التبادل التجارى إلى ٨ مليارات دولار، مع العلم أن الإستثمارات الهندية بمصر تقدر بحوالى ١٠ مليارات دولار.

 

وفى هذا السياق، نجد أن مصر والهند ترتبطان بست إتفاقيات تعاون تجارى مع الهند، هى: إتفاقية لتنمية التجارة البينية، وإتفاقية لإنشاء اللجنة المشتركة، وإتفاقية لتشجيع وحماية الإستثمارات المتبادلة بين الهند ومصر، وإتفاقية تجنب الإزدواج الضـريبى، ومذكرتى تفاهم فى مجال التجارة والتعاون الفنى، وفى مجالات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وإتفاقية لخطة عمل مشتركة لتنمية التجارة والإستثمارات المشتركة بين الطرفين.

 

وهناك زخم فى علاقاتنا مع الجانب الهندى، ورغبة مشتركة من خلال زيارة الرئيس السيسى للهند فى تطويرها إلى مستوى أعلى، بالنظر لوجود تعاون سياسى كثيف بين البلدين، وتفاعلاً مستمراً على مستوى القيادة والمستوى الوزارى حيث إلتقى رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى مع الرئيس السيسى على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك فى سبتمبر ٢٠١٥. ويهتم الجانبين الهندى والمصرى بتدعيم علاقاتهما فيما يخص قضايا مكافحة الإرهاب، وتعزيز الشراكة الإقتصادية والقضايا الإقليمية المشتركة بينهما، وفى أكتوبر ٢٠١٥، إلتقى رئيس الوزراء الهندى “ناريندرا مودى” والرئيس الهندى “موكيرجى” بالرئيس السيسى خلال القمة الثالثة لمنتدى الهند-أفريقيا، وتم الإهتمام بدعم علاقة الهند بأفريقيا من خلال الجانب المصرى.

 

وهناك ٥٠ شركة هندية تعمل فى مصر وتبلغ إجمالى إستثماراتها حوالى ٣ مليارات دولار. وحوالى نصف تلك الشركات عبارة عن مشروعات مشتركة أو شركات فرعية مملوكة بالكامل لمستثمرين هنود، أما باقى الشركات فتعمل من خلال مكاتب تمثيل لها وتقوم بتنفيذ المشروعات للهيئات الحكومية.

 

ومن كبرى الشركات الهندية التى تستثمر فى مصر شركة تى سى آى سنمار (والتى تبلغ قيمة إستثماراتها حوالى مليار ونصف دولار)، وأعلنت الشركة عن إفتتاح خط جديد للإنتاج بإستثمارات تبلغ ٢٠٠ مليون دولار، فضلاً عن شركات هندية عملاقة أخرى لها فروع فى مصر، مثل شركات الإسكندرية لأسود الكربون، ودابر الهند، والشركة المصرية-الهندية للبوليستر وشركة سكيب للدهانات.

 

كما تقوم الشركات الهندية بتنفيذ عدة مشروعات فى مجالات إشارات السكك الحديدية والحد من التلوث ومعالجة المياه والرى وأجهزة منع الصدمات وغيرها. ولقد أطلقت شركة هيتيرو الهندية، وهى شركة كبرى تعمل فى مجال الدواء، مشروعاً مشتركاً فى مايو ٢٠١٥، لإنتاج دواء لعلاج الإلتهاب الكبدى الوبائى C وهو المشروع الذى لاقى إستحساناً كبيراً من جانب الحكومة المصرية.

 

ومن المشروعات التى قامت من خلال المنح الهندية لمصر، كانت مشروعات التعليم عن بعد والتداوى عن بعد بالقارة الأفريقية ومقره جامعة الإسكندرية، ومشروع الإنارة بالطاقة الشمسية فى قرية أجعوين، ومركز التدريب المهنى لتكنولوجيا المنسوجات فى شبرا بالقاهرة، وهى المشروعات التى تم الإنتهاء منها بالفعل، بالإضافة إلى مشروع آخر قيد التنفيذ لإنشاء مركز لتكنولوجيا المعلومات بجامعة الأزهر.

 

وهنا نجد بأن التعاون فى المجال الفنى يظل جزءاً مهماً من علاقاتنا الثنائية مع الجانب الهندى. فمنذ عام ٢٠٠٠، إستفاد أكثر من ٦٠٠ مصرى من برامج التعاون الفنى والإقتصادى الهندى. وتم تدريب العديد من المصريين ضمن البرامج المختلفة مثل برنامج التعاون الفنى والإقتصادى الهندى، وقمة منتدى الهند-أفريقيا وزمالة مؤسسة سى فى رامان. وإلتحق العديد من الدبلوماسيين المصريين بدورة الدبلوماسيين الأجانب بمعهد الخدمة الخارجية الهندية، كما إستفاد العديد من العلماء والدارسين المصريين من منح مؤسسة سى فى رامان الدولية الهندية للباحثين الأفارقة.

 

وعلى مستوى علاقات التعاون الثقافى بين الهند ومصر، فقد تم إنشاء مركز مولانا آزاد الثقافى الهندى فى القاهرة عام ١٩٩٢، بهدف تعزيز التعاون الثقافى بين البلدين من خلال تنفيذ برنامج التبادل الثقافى، وبالإضافة إلى إهتمامه بنشر الثقافة الهندية من خلال دورات اللغتين الهندية والأردية ودورات اليوجا والرقص والندوات وعروض الأفلام والمعارض التى ينظمها المركز الثقافى الهندى، فيقوم المركز أيضاً بتنظيم العديد من المهرجانات الثقافية.

 

ومن نتائج التعاون المصرى الهندى المشترك فى مجال التعليم، هو تخصيص وزارة الشئون الخارجية الهندية ١١٠ منحة لمصر فى إطار برنامج التعاون الفنى والإقتصادى الهندى.

 

وفى مجال التعاون العلمى بين الهند ومصر، فنجد أن كلاً من المجلس الهندى للبحوث الزراعية ومجلس البحوث الزراعية المصرى يعملان معاً فى مجال البحوث الزراعية المشتركة وفقاً لإتفاقيات تعاون مشتركة بينهما، وهناك أيضاً برامج للتعاون فى مجال العلوم والتكنولوجيا تتم كل عامين بين الطرفين.

 

وما يمكن إستنتاجه هنا، من التحركات المصرية على مستوى السياسة الخارجية، هو أن القاهرة تتجنب تحديد علاقاتها وشراكاتها وذلك على المستويات السياسية والإقتصادية والعسكرية، وهو ما يعكس رشادة فى إتخاذ القرار ويدفع بالقاهرة للدخول فى شراكات وتكتلات إقتصادية دولية كتجمع البريكس وغيرها، بما ينقل مصر إقتصادياً وتنموياً بشكل متسارع إلى آفاق أوسع، بهدف جعل مصر رقماً مهماً فى كافة المعادلات الإقليمية والدولية على أساس الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، والتحرك وفقاً لمقتضيات المصلحة القومية والقانون الدولى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى