مقالات

البهلوان الحزين” بقلم…..محمود سعيدبرغش 

البهلوان الحزين" بقلم.....محمود سعيدبرغش 

“البهلوان الحزين”

بقلم…..محمود سعيدبرغش 

 

في إحدى المدن القديمة، كان هناك سيرك متجول يعشقه الجميع. في وسط العروض الباهرة والأنوار المبهرة، كان هناك بهلوان يُدعى “مهران”، محبوب من الجميع. كان مهران بارعًا في القفز والتقلب في الهواء، في إضحاك الناس بحركاته المضحكة، وفي جعل الأطفال يضحكون حتى تدمع أعينهم.

 

كل ليلة، كانت خيمة السيرك تمتلئ بالجمهور الذي ينتظر بفارغ الصبر رؤية عروض مهران. كان وجهه دائمًا مغطى بالطلاء الملون، وابتسامته الواسعة مرسومة بعناية على وجهه. لكن أحدًا لم يكن يعرف ما وراء تلك الألوان.

 

عندما تنطفئ الأضواء ويغادر الجمهور، كان مهران يجلس وحيدًا في غرفته الصغيرة خلف الكواليس. يزيل الطلاء عن وجهه، وتظهر على ملامحه علامات الحزن والوحدة. لم يكن لديه أحد يشاركه يومياته أو يسأله عن حاله. كان الجميع يرونه فقط كمصدر للضحك والسعادة، لكن لم يهتم أحد بما يشعر به داخليًا.

 

ذات ليلة، وبينما كان يجلس على كرسيه بعد عرض طويل، قررت فتاة صغيرة من الجمهور تدعى “ليلى” أن تتسلل خلف الكواليس. كانت تريد أن تشكره على جعله الجميع يضحكون. عندما دخلت غرفته، رأت مهران لأول مرة بدون ألوان الطلاء. فوجئت بالدموع في عينيه وسألته:

“لماذا تبكي يا سيد مهران؟ أليس السيرك مكانًا للسعادة؟”

 

ابتسم مهران بحزن وأجابها:

“يا صغيرة، أُضحك الجميع كل ليلة، لكنني أنسى دائمًا كيف أُضحك نفسي. خلف الألوان، هناك قلب يبحث عن من يفهمه.”

 

كانت ليلى صامتة للحظة، ثم قالت بحكمة تفوق سنها:

“السعادة مثل البهلوان يا سيد مهران، تحتاج إلى توازن. لا يمكن أن تُسعد الجميع بينما قلبك فارغ.”

 

كانت كلماتها كالسحر. أدرك مهران أنه بحاجة إلى التفكير بنفسه، كما يفكر في إسعاد الآخرين. بدأ تدريجيًا يشارك حزنه مع من حوله، وأصبح صديقًا للكثيرين في السيرك. ومع مرور الوقت، لم يعد فقط “البهلوان الذي يُضحك الجميع”، بل أصبح شخصًا يعرف كيف يُسعد نفسه أيضًا.

 

وهكذا، استمر السيرك في جلب البهجة للمدينة، لكن هذه المرة كان مهران جزءًا من تلك السعادة، ليس فقط للعالم، ولكن لنفسه أيضًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى