الحقائق المدفونة ستظل غامضة؛

الحقائق المدفونة ستظل غامضة؛
بقلم / رقية فريد
إلى أن يقوم أحدهم بإخراجها، ومَن منا ليس لديه حقيقة مدفونة، مَن منا لم يقم بدفن حقائق بداخله لم يكن ليستطيع أن يبوح بها يومًا..
القصة الاولى الجمال القاتل.
في أحد أحياء الإسكندرية في فيلا صغيرة، كانت هناك سيدة في العقد الثالث من عمرها تُدعى سارة، تعيش مع زوجها الذي يكبرها بعشرين عامًا، تزوجت سارة من زوجها فؤاد ولم تنجب منه أطفالًا، فهي تعيش هنا بمفردها..
وذات ليلة من ليالي الشتاء القارصة، بالتحديد الساعة الواحدة بعد مُنتصف الليل، كانت سارة في سريرها تغط في نومًا عميق، ثم أتاها صوتًا من بعيد يناديها، ثم اقترب منها شيئًا فشيء، حتى همس في أذنها: سارة.. سارة.
لتفتح سارة عينيها فتجد نفسها على سريرها.. ترتدي ثوب النوم الأبيض الحريري، فنظرت حولها ولم تجد شيء، فظنت أنه منامًا؛ فأغمضت عينها لتكمل نومها، ثم عاد الصوت الخافت ينادي مجددًا: سارة.. سارة.. سارة..
لقد كان صوتًا غريبًا لم تعتاد سماعه من قبل؛ حيث أنه لم يكن صوت زوجها فؤاد، فاعتدلت من نومتها وجلست وأرادت أن تنير المصباح الذي بجانب سريرها.. فوجدته لا يعمل، ولكن كان هناك ضوءً خافتًا يأتي من النافذة، بحثت عن هاتفها لتنير مصباحه ولكنها لم تجدهُ، ربما تركته في الطابق السفلي من الفيلا..!
فتحت سارة الخزانة لتبحث عن مصباح كهربائي، فلم تجد سوى نصف شمعة مكسورة، قامت بإشعالها وأعادت النظر حولها، حتى تأكدت تمامًا من عدم وجود سِواها بالغرفة، ولكن هتف الصوت مرةً أخرى: سارة.. أنقذيني!
سمعت سارة الصوت هذه المرة، وقالت وهي تشعر بالخوف والحيرة: ما هذا الصوت الذي ينادي باسمي، وأين هو؟!
خرجت سارة من الغرفة لتبحث عن مصدر الصوت، بدأت تتفقد غرف الطابق العلوي للفيلا، وكلما فتحت غرفة زاد خوفها وحيرتها؛ فهي لم تجد أحد، بدأت في خطوات يمزجها التردد إلى الطابق السُفلي وهي تتلفت حولها، حيث اقترب الصوت منها ولكنها لم تجد لهُ أثرًا في الفيلا كلها، فقررت أن تخرج إلى الفناء؛ علها تجدهُ.
فقامت سارة بارتداء معطفها، حيث كانت ليلة مُمطرة وباردة، بدأت تترقب ذلك الصوت في الخارج، فقد كان يُطيل السكوت ثم ينادي من جديد، وهي لا تجد أحدًا بحديقة الفيلا، حيث بحثت هنا وهناك ولم تعثر عليه؛ حتى خرجت إلى الشارع وكان الصوت يقترب منها كلما تقدمت خطوة، ظلت سارة تسير في الليل ودقات قلبها تسبق خطوات قدميها، وهي تشعر بشيءٍ غريبٍ يجذبها نحو ذلك الصوت، فهي لا تدري كم من مسافة قطعتها؛ حتى وصلت إلى بيت قديم في طريق شبه مُوحِش مُظلم، اقتربت سارة من هذا البيت وهنا كان الصوت قريبًا إلى حدٍ كبيرٍ لها، بدأت تتساءل: هل لي أن أدخل لأرى مَن ينادي أم أنصرف بعد أن أتيت إلى هنا، وأعود دون معرفة أمر ذلك الصوت الغامض؟!
وبعد تفكير دام طويلًا دخلت سارة البيت، كان الضوء خافتًا جدًا وتكاد لا ترى شيئًا، لا يوجد أحد بالداخل، شعرت سارة بالقلق والخوف، هل يوجد أحد هنا.. فالمكان يشبه القصر المهجور؛ فلا حياة بهِ، سمعت الصوت يقول لها: سارة.. أنا هنا في الغرفة المقابلة لكِ.
كانت سارة في حيرة من أمرها، أتتقدم لترى من ينادي، أم تنصرف! يبدوا أن الأمر مُرعب وغامض، استجابت لصوت الاستغاثة بها وقررت أن تدخل لترى مَن المستغيث، تقدمت شيئًا فشيءٍ ببطء شديد، ورهبة وخوف، فدخلت الغرفة التي يأتي منها الصوت، فوجدت اضاءتها خافتة وتفوح منها رائحة غريبة.. كأنها دخلت قبرًا، تملكها شعور بالخوف الشديد، جعلها تريد التراجع والهروب سريعًا من هذا المكان، ولكن سمعت ذلك الصوت يقول لها: أريد مُساعدتك..!
نظرت.. لتجد شاب مُلقى على ظهرهُ فوق سرير مُغطى بقطعة قماشية بيضاء تغمرها الدماء، ووجههُ شاحب اللون للغاية وشفتيه زرقاء، يشبه الجثة الميتة تمامًا، اقتربت سارة من ذلك الشاب في خطوات مُرتجفة يملأُها الخوف..
قالت له: مَن أنت؟ وماذا تريد؟!
قال لها: أريدك أن تكشفي حقيقة مدفونة.
سارة: ما هي هذه الحقيقة!
قال: حقيقة موتي، أقصد قتلي..