الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لديه رؤيته التي تهدف لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية لدعم الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان

الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لديه رؤيته التي تهدف لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية لدعم الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان
تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
إعتبرت الصين أن تحسين مستويات معيشة الشعب، والقضاء على الفقر، وحماية البيئة، وتحسين نظام التعليم يعد جزءاً هاماً من تعزيز قضايا حقوق الإنسان داخلياً وعلى المستوى الدولى. لذلك، حاولت الصين وضع أجندة داخلية وأخرى دولية على مستوى الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية بالأمر، من أجل (دعم دول الجنوب النامية فى التنمية، والتخلص من الفقر، كأحد المؤشرات الدالة على تحسين حالة حقوق الإنسان عالمياً). وبناءاً عليه، يمكننا تقييم الإجراءات والسياسات الصينية ذات الصلة بمجال “حوكمة حقوق الإنسان عالمياً كمصير مشترك للبشرية”، وفقاً لطرح الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ”، على النحو التالى:
– تسعى القيادة الصينية اليوم فى إطار خطة طموحة، إلى تحقيق “مجتمع الرفاه” لجميع أبناء الشعب الصينى، من خلال تطوير “خطة الإصلاح الشاملة والمؤسسية” على نحو يشمل بنية وأطر المؤسسات التشريعية والحزب الشيوعى ومؤسسات الدولة الحكومية، والإشراف على المؤسسات الخاصة ذات الطبيعة الإقتصادية والإنمائية والخدماتية، مع الإحتفاظ بالخصائص التى تميز الإشتراكية الصينية. ويتوقع أن تؤثر هذه التغيرات إيجاباً على الصين وعلى علاقاتها بالعالم الخارجى، لا سيما الدول الكبرى ودول الجوار ودول العالم الثالث.
– تسعى الصين في هذا السياق، بعد تدعيم بيئة الإصلاح الداخلى، الى إعادة إحياء طرق حرير جديدة. وما من شك في أن الدفع نحو (البناء الإجتماعى المتماسك)، والذى يطلق عليه عملية الإنفتاح على الخارج بسلاسة، يتطلب رقابة صارمة على تنفيذ القوانين، وتطويراً دائماً للتشريعات السياسية والإدارية فى نفس الوقت.
– وتجدر الإشارة، إلى (توقيع الصين ٢٦ إتفاقية دولية بشأن حقوق الإنسان). فكانت الصين من الدول التى إقترحت ودعمت (إعلان الحق في التنمية) ودعمت (إتفاقية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة)، كما إنتخبت عضواً فى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة أربع مرات.
– وفى مارس ٢٠١٧، تم تضمين مفهوم “بناء رابطة المصير المشترك للبشرية”، الذى طرحه الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، فى قرارين بشأن حقوق الإقتصاد والمجتمع والثقافة والحق فى الغذاء لمجلس حقوق الإنسان، وتم إعتماد هذا المفهوم أيضاً فى (قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) فى عام ٢٠١٧، وذلك خلال الإجتماع السابع والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، والذى طرحت فيه الصين قرار “تعزيز التعاون والتمتع بالفوز المشترك في مجال حماية حقوق الإنسان”، وتم إعتماد القرار فى الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان فى سبتمبر عام ٢٠١٨، وألقى ممثل الصين، نيابة عن حوالى ١٤٠ دولة، البيان المشترك بعنوان: “القضاء على الفقر من خلال التعاون وتعزيز تنمية حقوق الإنسان في العالم”.
– وفى نوفمبر ٢٠١٨، تعهدت الصين بالتبرع بمبلغ ٨٠٠ ألف دولار كل عام إلى (مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان) على مدار السنوات الخمس المقبلة من أجل دعم عمل المكتب، إضافةً إلى ذلك، أنشأت الصين (صندوق المساعدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب لمساعدة الدول النامية الأخرى على التخلص من الفقر).
– وبدأت القيادة السياسية الصينية للرئيس “شى جين بينغ” فى إزالة كافة العقبات السياسية، مما مهد لدخول الصين إلى حقبة جديدة من إصلاح الإقتصاد والإنفتاح على العالم، متماشياً مع تقوية وزيادة دور السوق وتخطيط “المدن الخاصة”، مع تقليل التخطيط الحكومى في الإقتصاد، وإدخال الصين بشكل أكبر في الاقتصاد العالمى.
– وجاء حرص قادة ورفاق الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين على التأكيد على أنه من (الناحية الأيديولوجية) تم تصوير ذلك ليس كتخلى عن الإشتراكية، ولكن كطريق أفضل نحو تحقيقها، حيث أعلن الحزب الشيوعى أن الصين كانت فى المرحلة الأساسية للإشتراكية، والتى بموجبها كان الإقتصاد الرأسمالى المزدهر، بإعتباره شرطاً أساسياً للإنتقال لاحقاً نحو الإصلاح الشامل.
– ويبلغ عدد موظفى ومتطوعى (المنظمات غير الحكومية) في الصين أكثر من مليون فرد، يعملون فى مجالات (الأعمال الخيرية وحماية البيئة وحماية حقوق الإنسان)، وغيرها من الأمور التي تهم المواطن الصينى. وتعتبر هذه المنظمات منصة لإبراز القدرات الإبداعية الخلاقة للجماهير، وتلعب دوراً إيجابياً فى تحسين حياة الموطنين والتصدى للكثير من الإشكاليات الإجتماعية. وتعكف الحكومة الصينية حالياً على إستكشاف وتجربة أساليب جديدة لإدارة المنظمات غير الحكومية.
– ويحرص الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” ورفاق الحزب الشيوعى الحاكم إلى إبراز (العلاقة بين الدولة والمجتمع كعنصر مهم فى إدارة النظام السياسى والدولة الصينية والعمل لصالح الشعب). حيث تجرى الصين فى عهد الرئيس “شى” على المستوى الحزبى والحكومى، إصلاحات مستمرة من أجل (تعديل العلاقة بين الدولة والمجتمع)، ما يعطى المزيد من الفرص للمواطنين للتعبير عن آرائهم.
– ومع الإنفتاح الإقتصادى الكبير فى عهد الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ”، فقد إزدادت حرية المواطن الصينى في مجالات التنقل والسكن والعلاج والدراسة والترفيه والإستهلاك، فلم تعد الحكومة تدير حياة الناس مباشرة. وصار إنتقاد المواطن الصينى لسياسات الحكومة وأداء المسؤولين الحكوميين أمراً عادياً.
– وقد أعطى الرئيس الصينى الرفيق (شى جين بينغ) الكثير من الفضل فى التنفيذ الناجح للإصلاحات الإقتصادية، كما كان على الخط السياسي الصحيح، إضافة إلى أنه ذهب بالإصلاحات السياسية إلى ما هو أبعد من ذلك، وذلك من خلال العمل مع عدد من (مراكز الأبحاث الجديدة في جامعات ومعاهد البحوث في بكين وكافة المقاطعات والمدن الأخرى)، وتم تشكيل مجموعات بحثية ومراكز فكر جديدة لبحث ومناقشة مركزية رسمية حول كافة قضايا الإصلاح السياسى فى الدولة الصينية، كما أعطيت فيما بعد المباركة لدراسات التغيرات السياسية الجريئة، وأصبح مواطنو الصين يواصلون النظر في (التحرير السياسي، ونقد السياسات، وإبداء آراؤهم السياسية)، وغيرها من الأمور، كمواضيع صحيحة للمناقشة العامة.
– ووفقاً لرؤية الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، فأنه إذا أريد للصين أن تستمر فى التقدم فى عالم سريع التغير، فعليه إدارة التحول الإجتماعى والإقتصادى الكبير بشكل آمن، وأهم من ذلك (تحسين حكم الدولة). ومن أجل ضمان بقاء نظام الحزب الواحد الصيني على المدى الطويل، تم البدء بإصلاح مؤسسات الدولة والحزب، والواقع أن الإصلاح السياسى كان شرط أساسى للإصلاح الإقتصادى، بالنسبة للرئيس “شى”.
– ولم يحاول الرئيس الصينى “شى جين بينغ” إتباع نمط الحداثة على طريقة الغرب، أى تأسيس الصين كقوة عظمى على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى العكس من ذلك، يرى “شى”، بأن تحديه الحالى داخلى ورسالته محلية في المقام الأول. وهو يعلم بأن النجاح فى ذلك، سوف يحدد مكانه فى التاريخ. وهذا هو شاغله الرئيسى.
– وقد أصبح الزعيم “شى” بمثابة أقوى قائد فى الصين اليوم منذ عهد “دينغ شياو بينغ”، وتمكن من تشكيل إرثه وفقاً لرؤيته الخاصة، معتمداً على رأس المال السياسى الكافى للقيام بالإصلاحات السياسية اللازمة، فقد إتبعت الصين مساراً إيجابياً فى تحسين التعليم، القضاء على الفقر، زيادة التنمية والرفاهية، وإتخذت إجراءات لرفع معدلات التنمية فى كافة المقاطعات والمدن، فضلاً عن إتباع إستراتيجيات متطورة إقتصادياً، لتعميق الإصلاحات الضرورية جنباً إلى جنب الإصلاحات السياسية.
– فقد ساعد التعليم على (تنمية القدرة الإبتكارية وتقوية القدرة التنافسية)، مع الإهتمام بتطوير الأيدى العاملة الماهرة من القمة حتى القاع، فمهارات الأيدى العاملة أصبحت السلاح التنافسى الرئيسى للصين فى الوقت الحالى.
– وقد أدت الإصلاحات والإجراءات التى قامت بها الدولة الصينية إلى التقدم في جميع جوانب إدارة الموظفين العموميين، وهو ما (إنعکس على الأداء الإقتصادى وتحسين مناخ الإستثمار، والنجاح في تقليص حجم المؤسسات وعدد الموظفين، وتعزيز الفصل بين قيادة الحزب والوظائف الحکومية وفصل المهام الحكومية عن إدارة الشرکات)، فقد خفض عدد الموظفين الحکوميين في إطار إصلاح مجلس الدولة إلى النصف تقريباً، فضلاً عن نقل وتحويل الوظائف الحکومية وفصل وظائف الحکومة عن إدارة المشاريع وتعزيز سلطة الشرکات فى الإدارة وصنع القرار وتقليص الإجراءات والموافقات الإدارية، وتحفيز المبادرة لدى الحکومات المحلية عبر اللامرکزية الإدارية عبر إعطاء تلك الحکومات المحلية المزيد من السلطة فى إتخاذ القرارات فى المجالات المالية والضرائب والموظفين، وإعطاء مزيد من الإستقلالية للأفراد والمجتمع.
– وصاغت الصين ونفذت (ثلاث خطط عمل بشأن حقوق الإنسان) منذ عام ٢٠٠٩. وخلال هذه الفترة، تحسنت مستويات معيشة الشعب الصينى، وتمت حماية حقوقه بشكل أفضل، وتم تحسين السياسات والإجراءات القانونية التى تحمي حقوق مجموعات معينة، وتم تعزيز الضمانات القانونية لحقوق الإنسان، وفقاً لخطة العمل. كما شاركت الصين بشكل كامل تجربتها فى الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان، وقدمت مساهمة كبيرة فى القضية الدولية لحقوق الإنسان.
– وتم وضع (خطة العمل الأخيرة الخاصة بحقوق الإنسان فى الصين، عبر مجموعة من الأهداف للفترة ٢٠٢١- ٢٠٢٥)، وأكدت تلك الخطة الأخيرة لحقوق الإنسان الصينى، بأن الصين ستعزز التنمية الحرة والشاملة والمشتركة لجميع مواطنيها كهدف عام. وذكرت الخطة إن الصين ستعزز الحماية المتساوية لحقوق ومصالح مجموعات معينة، خاصةً فى مناطق الأقليات ذاتية الحكم، عبر تقديم لهم مساعدات إضافية لهم، لضمان حصول الجميع على حصة متساوية من ثمار التنمية، وتوفير دعم سياسى للتنمية الشاملة لجميع أبناء الشعب الصينى.
– وجاء حرص القيادة الصينية على إجراء أبحاث مستمرة، فضلاً عن تحسين مستويات التعليم والتدريب وبناء الوعى، لخلق مناخ إجتماعى يحترم حقوق الإنسان ويحميها.
– وجاء إعتماد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (تقرير الإستعراض الدورى الثالث المقدم من الصين) فى جنيف بسويسرا فى ١٥ مارس ٢٠١٩، بمشاركة ممثلو أكثر من ١٢٠ دولة، بإلقائهم خطابات فى إجتماع المجلس لدعم حقوق الإنسان فى الصين، مشيدين فيه بإنجازات الصين فى تطوير حقوق الإنسان. كما أشار ممثلو الدول فى الإجتماع إلى دور الصين الإيجابى فى تخفيف حدة الفقر وتعزيز الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، بالتأكيد على أهمية مساهمات الصين فى (تعزيز التنمية المشتركة لمختلف الدول).
– كما تم عقد “منتدى بكين لحقوق الإنسان” فى سبتمبر ٢٠١٨، بعنوان: “القضاء على الفقر: بناء رابطة المصير المشترك للبشرية بدون فقر والسعى إلى التنمية المشتركة”. مع إشادة دولية من مسؤولين وخبراء معروفين إقليمياً ودولياً يمثلون أكثر من خمسين دولة ومنظمة دولية بأحوال حقوق الإنسان فى الصين.
– وجاء تأكيد الحكومة الصينية خلال وضعها الخطة الأخيرة الخاصة بحقوق الإنسان حتى عام ٢٠٢٥، على (مشاركة الصين فى الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان)، فضلاً عن تأكيد مشاركتها فى جميع الأعمال المتعلقة بآليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ودفع المجتمع الدولى نحو إقامة نظام حوكمة أكثر عدالة وإنصافاً ومعقولية وشمولية، والعمل معاً لبناء (مجتمع المستقبل المشترك للبشرية).
– وإفتتحت “ميشيل باشليت”، المفوضة السامية لحقوق الإنسان فى الأمم المتحدة، إجتماع مجلس حقوق الإنسان فى (الدورة السابعة والأربعون) فى يونيو ٢٠٢١، والتى حضرها ممثلون عن ٤٧ دولة من أعضاء الأمم المتحدة حول العالم، بتوجيه إتهامات إلى حكومة بكين.
– ولكن جاء رفض ممثل البعثة الصينية فى مجلس حقوق الإنسان فى جنيف “ليو يوين” لكافة الإتهامات من المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بتأكيده أن الصين لن تسمح بتدخل أى قوى خارجية فيما وصفه بأجزاء غير قابلة للتصرف من أراضى الصين، ووجه “ليو يوين” تحذيراً شديد اللهجة إلى “ميشيل باشليت”، من أجل العمل على “إحترام الحقائق والتوقف عن الإدلاء بتصريحات خاطئة عن الصين”.
– وفى تحليلى الشخصى، فإن أكثر ما إستوقفنى حول الموقف الصينى الصارم لضمان إنتخابها فى (مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة)، رغم كل ما يوجه لها من إنتقادات أمريكية وغربية فى هذا الإطار، هو (مدى حرص الحكومة الصينية رسمياً على تمثيل أكبر عدد من مواطنيها الصينيين فى كافة وكالات الأمم المتحدة الرئيسية). وهو الأمر الذى “يعكس دبلوماسية بكين الذكية كقوة صاعدة، وموقعها كثانى أكبر إقتصاد فى العالم”.
– لذلك، جاء إعتراض الرئيس الأمريكى “جو بايدن” على كافة المناصب القيادية التى تشغلها الصين فى الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية، بالتأكيد على “أن الوقت قد حان لكي يتحد الحلفاء الغربيون لمواجهة النفوذ المتنامى للصين على مستوى العلاقات والسياسات متعددة الأطراف”. وكانت الصين على مدى السنوات القليلة الماضية، قد قَدمت أو دعمت مرشحين لبعض المناصب الرئيسية فى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مثل: الإتحاد الدولى للإتصالات، ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية “الفاو”.
ITU & FAO
وبناءً على التحليل السابق للباحثة المصرية، نتوصل إلى أن الصين تعتمد على إتباع نمط التنمية داخلياً وخارجياً، وصولاً لأفضل النماذج والسبل لتحقيقها عالمياً بعيداً عن هذا المفهوم الضيق لحقوق الإنسان لذلك تلجأ الصين إلى حل القضايا الناشئة بواسطة التنمية، بإعتبار أن ذلك هو خبرة الصين الرئيسية التى تقدمها للعالم، خاصةً الدول الناشئة والصغيرة. ومع تلك الحالة غير المسبوقة من التغيرات والتعديلات الكبيرة فى العالم كله، تواجه الصين هنا فرصاً وتحديات لا مثيل لها في التاريخ، ومازالت الصين تتمسك بالتنمية كموضوع رئيسى، وتدفع السلام والتنمية إلى الأمام برؤى وأفكار وحلول التنمية بإستمرار، وبالأخص إزاء الموضوعات والإختبارات الجديدة.