شعر و ادب

الشيطان 2

الشيطان 2

بقلم د : شيرين العدوي

طرحت عليك عزيزي القارئ سؤالا في مقالي السابق وهو: لماذا فضل الله الإنسان على سائر الخلق وخصوصا الشياطين والملائكة؟! “يقول الله في سورة الإسراء: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” وأجيبك من كلام “العقاد” من كتابه “إبليس”؛ حيث يرى أن الإنسان لما عرف الشيطان كان فاتحة خير عليه؛ ذلك لأنه استطاع من خلال معرفته أن يميزبين الخير والشر. ليس هذا فقط بل كان عليه خطوة أكثر صعوبة من السابقة ألا وهي معرفة الخير الصميم. المقصود بالصميم عند العقاد( أن يعرف الإنسان الخير ليعمله على علم وبصيرة)، فليس الخير خلوًا من الشر وكفى، وليس الخير ابتعادًا عن الشر وكفى، وليس الخير عجزًا عن الشر وكفى، وليس الخير مخالفةً للشر وكفى. كلا. بل الخير شىء بذاته وليس قصاراه أنه امتناع عن شيء سواه.

إنه القدرة على الحسن مع القدرة على القبح. فالملائكة لم تستطع أن تحمل الاثنين وتفرق بينهما فهي الخير المطلق. وكذلك الشيطان لم يستطع أن يحمل الخير للإنسان فهو الشر المطلق مع قدرته العقلية التي ارتبطت بقدرة وضعها الله فيه من معرفته أسرار الكون العلية ورغم ذلك فعلمه محدود أمام قدرة الخالق . ومن هنا يأتي تفضيل آدم حيث إن الله عرَّضه للخير والشروهو مطالب بالخيرات ممتحن بالشرور، من خلال ذلك استطعنا أن ندرك وظيفة الشيطان في هذا العالم وهي إثبات عجز الإنسان أمام الغواية والفتنة، وأن يمتحن مشيئته وهو يتردد بين الخير والشر والمباح والمحرم. ففضيلة الإنسان أن يصنع خيرا وللشر عنده غواية، وله في نفسه فتنة، ولولا ذلك لما فُضِّل على الملائكة ولا على الجان. وهذا مثال بسيط من الحياة على قدرة الإنسان على الخير: ففي يوم من الأيام قابلت أحد الأساتذة، وأثناء حواري معه هاجمت الطعام نملة كبيرة لها أجنحة؛ فانزعج صديقى جدا وهم بإبعادها بعنف، فسقطت في كوب الماء، كان أمامه أن يتركها تغرق وهو في حالة دفاع عن النفس، ولكنه مد لها عصا المشروب، وأخرجها ووضعها على الأرض وتركها تسعى؛ وبهذا أنقذها من موت مؤكد لينتصر على الشر مع قدرته عليه.

لقد استوقفني شكل الشيطان في موسوعة “تاريخ الأديان” لمحررها فراس السواح وهو يرصد فكرة الخيروالشر في الديانة المصرية القديمة مُجسِّدة له بالإله “ست” الذي يرمز لكل الشرور على الأرض؛ حيث يرى بعض الباحثين أن الكلمة نفسها تتضمن معنى الأسفل، والأسفل دائما أقل قيمة في ذهن الإنسان من الأعلى الذي يمثله الإله “حورس”؛ فكل القوى الموجبة منه. ويتجلى الصراع في الصورة البدائية للسلب والإيجاب في ثنائية النور والظلام؛ فالإله حورس هو سيد السماء والشمس التي تهب الحياة والنظام الدقيق للكون، بينما “ست” هو العدو الأول للشمس والضوء بجميع أشكاله فهو الذي يحرف مسار الشمس، ويسرق نورها فتقْصُر ساعات النهار لحساب الليل، كما أنه يسرق ضوء القمر فيتناقص ليلة بعد ليلة لينطفئ ويظلم العالم في نهاية الشهر. وليقنعوا عبدة الشيطان بالشيطان صوروه لهم على أنه النور المطلق “حورس”وليس “ست”. للحديث بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى