الفساد يستشري في ليبيا

الفساد يستشري في ليبيا
عقب ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، تولى رئاسة الوزراء ثلاث شخصيات، كل واحد منهم اتهم الآخر بالفساد، ولم يتم التحقيق في هذه الاتهامات. ما راجت وزادت مع الوقت، حتى بات كل الليبيين يرددونها، وبعضهم يتهم الآخر. وأما المسؤول منهم المتهم بالفساد، فإنه يبادر بالرد، بأن كل الآخرين فاسدون، وأن المال السائب يعلّم السرقة. لقد غدا الفساد الحقيقة التي يُجمع عليها الليبيون وتوحدهم كهوية للدولة، التي ينقسمون حول أي هوية أخرى لها.
وفي آخر تهم الفساد المنتشرة في وسائل الاعلام، تلك التي تتعلق بالاتفاقيات النفطية التي تبرمها حكومة عبد الحميد الدبيبة (المنتهية الصلاحية)، في كل حدب وصوب مع مختلف الدول، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ومنذ أن قرر الدبيبة، تعيين فرحات بن قدارة رئيسًا للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط، منتصف العام الماضي، بقرار مشبوه ومفاجئ إلى حد كبير، كون هذا المنصب اعتُبر سياديًا إلى حد ما ولم يستطع أحد المساس به منذ 2014، والجدل يحوم حول مصير الثروات النفطية للبلاد وعائداتها.
فقد استطاع الدبيبة بعد تنصيبه لـ “بن قدارة” توقيع سلسلة من اتفاقيات التعاون النفطية مع كل من تركيا وإيطاليا، وحتى بشكل أبسط مع الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي استدعى المدعي العام لفتح تحقيق بهذا الشأن، كشف ملابساته موقع “أفريكا إنتلجينس” الفرنسي، كما دفع بالقضاء الليبي لإيقاف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع تركيا، ودفع بوزير النفط محمد عون للتنديد بالاتفاقية النفطية مع إيطاليا، وبالطبع لم يخلو الأمر من تبادل الاتهامات بالفساد.
وعلى صعيد آخر التمس الليبيون “نفاقًا” نابعًا عن حكومة الدبيبة، خصوصًا بعد أن أظهرت مدى كرمها وحرصها على تركيا والشعب التركي، في الكارثة الزلزالية التي حلّت بمدنها جنوبًا.
فلم يستطع رواد مواقع التواصل الاجتماعي تماسك أنفسهم، بل تهافتت التعليقات والتهكمات والتهم بممارسة حكومة الدبيبة الفساد علنًا، حيث تختلس أموال الشعب وترسله إلى تركيا لتلميع صورتها امام الحكومة التركية، وذلك بالطبع لاستمرار “الدعم السياسي” للبقاء في السلطة.
وأكد رواد مواقع التواصل أن هدف الدبيبة من تمويل إعادة إعمار جنوب تركيا وتركه مدناً ليبية مدمرة جراء الحروب التي عاشتها البلاد منذ انهيار نظام معمر القذافي، هو كسب ود تركيا سياسياً وعسكرياً كحليف لضمان استمراره في المشهد السياسي.
ومن جانبه قال وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير، أن “50 مليون دولار أميركي (250 مليون دينار ليبي) لن تذهب لإعادة إعمار جنوب تركيا، بل لتمويل الحملة الانتخابية لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان من أموال أجنبية غير مدرجة في الموازنة التركية”، وفق تعبيره عبر حسابه الرسمي بموقع “فيسبوك”.
من جهتها عبرت النائبة بالبرلمان الليبي فاطمة المعداني عن استيائها من تخصيص هذه القيمة المالية لمساعدة تركيا بينما يغرق الشعب الليبي في الفقر، قائلة عبر حسابها الرسمي على “فيسبوك” إن “دولة قطر التي أدارت كأس العالم تبرعت لتركيا بـ 16 مليون دولار فقط، بينما ليبيا التي ينتظر أهلها مرتبات شهر يناير الماضي تبرعت بـ 50 مليون دولار كدفعة أولى”.
والفساد في ليبيا اليوم، يتم الحديث عنه كما الحديث حول الحلول السياسية للمشاريع الدولية العقيمة. حتى إن الفساد، كما الفشل السياسي، بات أمراً اعتيادياً، وسرقة المال الليبي يقوم بها ليبيون وغير ليبيين، وحتى جهات دولية، كالبنوك والدول، التي جمدت فيها أموال ليبيا، بقرار من مجلس الأمن، الشاهد ما لم يشاهد شيئاً. وبفضل مجلس الأمن وقراراته، ليبيا غدت البلاد المُخَصبة، للفساد والسرقة، وفيها تعبث عصابات محلية ودولية، وتنهشها حكومة لا تسعى وراء مصلحة الليبيين، بل جلّ ما تحاول تحقيقه، هو ضمان بقائها في السلطة كسابقاتها من الحكومات التي تعاقبت على طرابلس بعد ثورة فبراير 2011.