مقالات

القدس وغزة: الصراع المستمر والمأساة الإنسانية

القدس وغزة: الصراع المستمر والمأساة الإنسانية

القدس وغزة: الصراع المستمر والمأساة الإنسانية

 

القدس كانت وما زالت قضية الأمة العربية والإسلامية الأولى، ورمزًا للحرية والكرامة. منذ أن فتح المسلمون القدس على يد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصبحت المدينة المقدسة تحت راية الإسلام، وسادت في الأراضي الفلسطينية والأراضي الشامية أوقاتًا طويلة من الاستقرار تحت حكم المسلمين. لكن سرعان ما ظهرت أطماع القوى الغربية في استعادة السيطرة على تلك الأراضي بعد أن هُزموا في الحروب الإسلامية، وباتت محاولات الصليبيين مستمرة للعودة إلى الأراضي الإسلامية.

 

في القرن الثاني عشر الميلادي، ومع انهيار الدولة السلجوقية بعد موت السلطان بركياروق، استفاد الصليبيون من النزاعات الداخلية بين أبناءه، مما ساعدهم على دخول الشام واحتلالها. استمر الاحتلال الصليبي للأراضي الشامية قرنًا كاملاً، حتى جاء القائد العظيم عماد الدين الزنكي، الذي بدأ حملة لتحرير الأراضي المحتلة، ليتابعه ابنه نور الدين الزنكي. ولكن القائد الحقيقي الذي استطاع أن يعيد الأمل ويحرر القدس كان صلاح الدين الأيوبي.

 

صلاح الدين، الذي نشأ في ظل هذه الصراعات، تمكن من توحيد الأمة العربية والإسلامية وشن حملة لتحرير القدس. وبعد معركة حطين الشهيرة، نجح صلاح الدين في استعادة القدس، محررًا المدينة المقدسة بعد مئات السنين من الاحتلال الصليبي. وعلى الرغم من انتصاراته، فإن الأطماع الغربية لم تتوقف. ثم جاء الاحتلال العثماني الذي استمر حتى القرن العشرين، ولكن مع سقوط الدولة العثمانية وظهور الاستعمار البريطاني، بدأت الأطماع الأوروبية في فلسطين.

 

احتلال فلسطين لم يتوقف هنا. ففي عام 1948، بعد الحرب العربية الإسرائيلية، فرضت دولة إسرائيل سيطرتها على أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس. واليوم، ما زال الاحتلال الإسرائيلي قائمًا، حيث تستمر محاولات تهويد المدينة وتغيير معالمها.

 

غزة: الصمود في وجه الاحتلال

 

في الوقت نفسه، يواجه قطاع غزة وضعًا مأساويًا لم يشهد له التاريخ مثيلًا. الحرب المستمرة على القطاع، والتي تشمل القصف العشوائي، الحصار، والاعتداءات اليومية، تمثل صورة قاتمة عن معاناة الفلسطينيين في غزة. ما يجري الآن في غزة من قتل للأطفال والنساء وتدمير المنازل، يجعل من هذا العدوان حربًا حقيقية ضد الإنسانية. ومع ذلك، فإن المأساة في غزة لا تجد الأذن الصاغية من معظم الحكومات العربية والدولية.

 

لقد أصبحت غزة رمزًا للصمود والمقاومة، ولكنها اليوم في حاجة ماسة إلى الدعم والمساندة. ومع تزايد القتل والتدمير، يبقى السؤال: إلى متى سيظل الصمت العربي والإسلامي؟ إلى متى ستظل الشعوب العربية مكتوفة الأيدي في وجه العدوان؟ ماذا فعلت الحكومات؟ أين الدعم الحقيقي من الدول العربية والإسلامية؟ وما هي الضغوط التي مارستها الدول الكبرى لوقف العدوان الإسرائيلي؟

 

الشعوب العربية والإسلامية تواجه تحديات كبرى في ظل الوضع الحالي، ولكن يبقى الأمل في الله كبيرًا. كما قال الله تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ”، فالله لا ينسى الظالمين وسيحاسبهم في الوقت الذي يشاء. ولذلك، يبقى الدعاء هو سلاحنا الأهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدعاء هو العبادة”، ولذا فإننا نرفع أيدينا بالدعاء لأهل غزة، راجين من الله أن يفرج كربهم وينقذهم من هذه المحنة.

 

الدعاء لأهل غزة والقدس

 

غزة والقدس بحاجة ماسة لدعائنا وتضامننا. اللهم إنا نستودعك غزة، أهلها، رجالها، نساءها وأطفالها. اللهم اجعل هذه الأرض المباركة منبعًا للحرية والكرامة. اللهم كن مع أهل غزة، انصرهم على أعدائهم، وارزقهم الصبر والثبات، واجعل من هذه المعاناة دروسًا للأجيال القادمة عن معنى النضال والمقاومة.

 

إن نصر غزة والقدس لا يقتصر على المعركة العسكرية فقط، بل هو نصر فكري وقلبي، نصر في الوقوف إلى جانب المظلومين، نصر في الدفاع عن القيم الإنسانية، نصر في التمسك بالهوية الفلسطينية. سيظل هذا النضال مستمرًا حتى تتحقق العدالة، ويعود الحق لأهله.

 

غزة والقدس، معركة لا تنتهي

 

غزة لن تنتهي، والقدس ستظل قضية الأمة العربية والإسلامية الأولى. الصراع على الأرض الفلسطينية لا ينتهي إلا بتحرير كامل للأراضي الفلسطينية، واستعادة القدس، وإيقاف العدوان الإسرائيلي المستمر. ولن تتحقق هذه الأهداف إلا بتوحيد الصفوف، وتكثيف الدعوات من أجل دعم القضية الفلسطينية. إن القدس وغزة هما في قلوبنا جميعًا، وسنبقى نرفع شعارات النضال حتى يتم تحرير الأرض والإنسان، ويعود الحق إلى أصحابه.

 

محمود سعيدبرغش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى