مقالات

المستقبل المجهول ، قَدر أم مسألة يمكن تغييرها 

المستقبل المجهول ، قَدر أم مسألة يمكن تغييرها 

المستقبل المجهول ، قَدر أم مسألة يمكن تغييرها

بقلم . عبادة دعدوش

من منّا لا يريد حياة هانئة؟ من منّا لا يتطلّع إلى مستقبل مشرق؟ من منّا لا يتعارك يوميّاً مع أفكاره بُغية تحسين واقعه؟
لكن كم منّا أخذ أحلامه على محمل الجد، وسار في طريق تحقيقها وَفْق خطّة محكمة مدروسة العواقب؟

صراع يومي ما بين الذّات والآخر، ما بين الخوف والقلق، ما بين الاستسلام للأوهام والتّصديق القلبي بالوعود الإلهيّة، والإيمان بقدرة الوصول، ما بين التّشاؤم من الماضي والتفاؤل بإمكان تغيير الواقع، وتحقيق الأهداف المنشودة .
خائف من المستقبل؟ تعيش في حالة ضياع وترقّب؟ تتخبّط بين الأحلام والواقع، لا تعرف من أين تبدأ، وكيف تبدأ، وإلى أين ستذهب؟ تابع هذه المقالة عزيزي القارئ لتجد الإجابات عن تساؤلاتك.
لا يوجد إنسان على وجه الكرة الأرضيّة إلا ويفكّر في المستقبل، ولكلّ شخص حياته الخاصة و ظروفه في الحياة. و لكن اغلب الأشخاص منقسمون بطريقة تفكيرهم بالمستقبل إلى ثلاث انواع :

1. شخص غارق في بحر من الضياع لا يعرف اين يذهب يعيش يوميه و حسب .
2. شخصيّة ذو رؤية و تعرف طريقها إلى المستقبل، لكن الظروف أثقلت خطواتها، وأعادتها إلى الوراء، فصار المستقبل مجهولاً بالنسبة لها.
3. والأخيرة تعرف طريقها إلى المستقبل، منهم من يعمل بكل قوة عليها .
والسّؤال هنا ما الذي يجعلنا كالنوع الأول لا نعرف إلى أين سنذهب؟ أو بالأحرى ما المشكلات الّتي تواجهنا في المستقبل المجهول هذا؟
يعتري الإنسان مجموعة من الأفكار والمشاعر المتضاربة عند التفكير بالمستقبل، منها: الخوف، القلق، التّشاؤم، عدم وضوح الرؤيا، ضعف الإرادة، ضعف الإيمان، التسويف.

لكن ما أسباب هذه المشكلات؟
الخوف: من أين يأتي الخوف؟ ما مسوغات الخوف هذا؟ يجيب هرم موسلو عن هذه الأسئلة؛ إذ للإنسان احتياجات تدفعه إلى الشعور بالخوف والقلق من المستقبل، وسنتحدّث عن أبرز ثلاثة احتياجات، والتي يمكن أن نطلق عليها اسم مثلث الرّاحة، وهي:
1. الاحتياجات الأساسيّة: بما فيها من مأكل ومشرب وملبس لضمن البقاء.
2. الأمان: تحقيق الأمان الاقتصادي والنفسي والمعنوي.
3. الذات: تحقيق الذات وتقديرها.

وكل عنصر من العناصر السابقة يفضى إلى الآخر، والخوف من المستقبل يختلف باختلاف الاحتياجات السابقة، فهناك خوف من عدم القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسيّة، وهناك خوف بسبب عدم الشعور بالأمان، وهناك خوف بسبب عدم معرفة الذّات وتقديرها.
ويتولدّ القلق من الخوف الزّائد الّذي يترجم بسؤال واقعي جدّاً، هل أستطيع تأمين كل هذه الاحتياجات؟؟؟؟؟؟؟ سنجيب عن هذا السؤال بعد استعراض باقي المشكلات.
التشاؤم: برأيكم من أين يأتي التشاؤم؟ كيف يتسلل إلى عقولنا؟

يأتي التشاؤم من الأحلام الورديّة التي لا تطابق الواقع، والتي لا سبيل لتحقيقها، أو بالأحرى لا يوجد نيّة صادقة لتحقيقها . كمن يجلس في منزله ، ويفكّر في بناء قصر يصل صيته إلى السند والهند دون أن يحرّك ساكناً. ويأتي التشاؤم وخيبة الأمل من التوقعات الزائدة، وعدم التحلي بالمرونة والصبر، والتوقعات المحددة بزمان ومكان، فإذا لم يتحقق المراد في اليوم سين، الساعة صاد، يصاب بخيبة أمل، ويصبح مكبّل اليدين، يفكّر في ما تفلّت من يديه دون أن يفكّر بإصلاح الواقع، ووضع الخطط البديلة،

وقد قال إبراهيم الفقي رحمه الله: ” الشخص الذي عنده أكثر من بديل كي يحل مشكلة واحدة، عرف الطريق إلى القمة”.
ضعف الإيمان: يتّصل الخوف من المستقبل اتصالاً مباشراً بضعف الإيمان بالله تعالى، والذي يؤدي إلى عدم الثقة بالنّفس؛ لأنك عندما تعرف الله، ستعرف نفسك، وستعرف قدراتك، وستعمل على تطويرها، وتحقيق الإنجازات المختلفة، إذ قيمة الإنسان بالعمل والإنجاز، ومن هنا يرتفع تقديرك الذاتي. وقد قال تعالى :وفي أنفسكم أفلا تبصرون .
التّسويف: تأجيل تنفيذ المهمات ريثما يصبح الوقت مناسباً والظرف مناسباً. إذا آذاك حرّ الصيف، وبرد الشتاء، فمتى تنجز إذا؟؟؟

والآن بعد الفراغ من استعراض المشكلات وأسبابها، كيف نتمكن من تحقيق مثلث الراحة؟؟
يرتبط تحقيق الاحتياجات الأساسيّة من مأكل ومشرب وملبس، بامتلاك مهارة معينة، تساعد الإنسان على النهوض بمستواه المعيشي. ويرتبط الشعور بالأمان بقوة الإيمان بالله تعالى، أي بالخط الروحاني، فكلما كنا على اتصال بالله زال شعور القلق وأُبدل بسكينة وطمأنينة، ومعرفة الخالق بحد ذاتها، تزيل الران عن القلوب، والوقر عن الآذان، والتفكّر بملكوت الله يساعد على معرفته، وقد قال تعالى: ” أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقت، وإلى السماء كيف رُفِعت، وإلى الجبال كيف نُصِبت، وإلى الأرض كيف سُطِحت

“. وأما عن تحقيق الذات فهو أمر سابق لتقديرها، ويشترك في تحقيقها العنصران السابقان، فبامتلاك المهارة، والعمل على تحقيق الإنجازات، يرتفع تقييمك لذاتك، وتحظى بتقديرها.
والخلاصة عزيزي اهتم بمهاراتك كي تؤمّن الأساسيّات، واعمل على إنجاز أهدافك لتشعر بالأمان، وآمن بالله ثم بنفسك، تفز بتقدير الذّات.
وإلى جانب تحقيق ثلاثية موسلو التي أطلقت عليها اسم مثلث الراحة، ثمّة قوانين عمليّة تدنيك من أهدافك، وتزيل الغشاوة عن عينيك لتعيش براحة وسعادة وسلام، وتبعد عنك الأحزان والأوهام.

لا تعش بالمظاهر: لا يضرّك جهل الأرض بك، إن كنت معروفاً عند ربّ السّماء، اهتمامك بالنّاس، وبما يقولونه عنك، واهتمامك بامتداحهم لك بما ليس فيك، سيدفعك لارتكاب الحماقات المأجورة التي ستضعك في نهاية كل شهر في مأزق مالي عدا عن المأزق النفسي الّذي تعيش به سابقاّ، إذ إنك لو كنت تحترم ذاتك، لما التفت إلى كلام الناس، وإنك لن تسلم مهما فعلت، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “لا سلامة من كلام النّاس”. لذا عش مرتاح البال وفق قدراتك، ولا ترتدي أثواباً لا تليق بك، وتكلّفك ما لا تطيقه فقط من أجل المظاهر. كن نفسك، ولا تكن نسخة مكرّرة. حتى في عنائك كن متفرّداً، على طريقة خليل مطران، في قوله: متفرّد بصبابتي.. متفرّد بكآبتي… متفرّد بعنائي…

السعادة ليست سلعة: السعادة يا سادة تنبع من الدّاخل، من رضاك عن ذاتك وحياتك، وقد قال أحدهم: ” إنّ سر السعادة هو ألا يكون لديك وقت لتسأل نفسك أنت سعيد أم لا”. فبالعمل وتحقيق الإنجازات تهرول السعادة إليك. وقد قال أحدهم: الفراغ مفسدة. اشغل نفسك بما هو مفيد تسعد. وتأتي السعادة من العطاء، تعود العطاء تلازمك السعادة. قد يكون العطاء ابتسامة: ” لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”. قد يكون ليناً ورفقاً مع الكبير والصغير: “حرم على النار كل هيّن ليّن”. وقد يكون بتفريج كربة أحدهم: ” من فرّج كربة مؤمن، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”.

وتذكّر أنت المحتاج بدليل ما تحصله من السعادة باتباع تيك الأخلاق النبوية. وبهذا لن تصبح متسوّلاً للسعادة بعد اليوم، بل ستصبح مموّلاً لها.
ابتعد عن المقارنة: لأنها إحدى القتلة الثلاثة: (الندم، النّقد، المقارنة). احترم نفسك وقدراتك، ولا تقارنها بأحد، وإيّاك أن تقارن ماضيك مع حاضرك؛ لأنّ الماضي قد يكون نتاج قرارات خاطئة، وأنت لا تملك الماضي لتغييره، لكنك تملك الحاضر، وباستطاعتك تغيير المستقبل. وتذكّر ملتفت لا يصل. هل سمعت بعداء التفت وراءه وفاز بالسباق؟؟.

وبتحقيق مثلث الرّاحة، واتباع القوانين السابقة، لن يكون المستقبل مجهولاً بالنسبة لك بعد اليوم.
وختاماً لن تبلغ المجد، حتى تلعق الصبر، لا تظنن إنّ النجاح واعتلاء القمم، أمر سهل لا يشوبه تعب وألم وسهر واحتراق داخلي وخارجي. فالنجاح العظيم مبني على الألم العظيم، وكما قال ألفريد دي موسيه: ” لا شيء يسمو بنا إلى العظمة كما يسمو الألم”.
ماذا تنتظر؟؟؟؟ أحضر ورقة وقلم وابدأ بالتخطيط ورحلة التغيير ..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى