شعر و ادب

النابغة الجديد .. يقرع الجرس  بقلم…. عبدالكريم العفيدلي

النابغة الجديد .. يقرع الجرس  بقلم.... عبدالكريم العفيدلي

النابغة الجديد .. يقرع الجرس

 

بقلم…. عبدالكريم العفيدلي :

تقول بعض كتب التاريخ أن النابغة الذبياني قيّم الشعر وسيد سوق عكاظ وصاحب المعلقة الأشهر ،كتب الشعر بعد سن الأربعين وسمي بالنابغة لأنه نبغ به وأبدع وتجاوز شعراء عصره ، هذا المثال عن النابغة يخالف المفهوم السائد بأن الموهبة تولد من الصغر كالغرسة تنمو وتترعرع حتى تصبح شجرة عظيمة يُؤكل من ثمارها ويُستظل بظلها ..

مادعاني لاستحضار النابغة هو شاعر متفردفي العصر الحالي له لغة خاصة به قعّد اللغة من خلال القصيدة وجعلها بيضاء مفهومة لانحتاج للمعجم كي نفسر مفرداته ، د عماد الدين طه الذي كتب الشعر في سن الأربعين وجاءت قصائده في زمن تأخرت به القصيدة الفصيحة وتخلت عن دورها التاريخي بأن تكون حاملة للوجع القومي ، جاء هذا الشاعر ليعيد للقصيدة الفصيحة دورها التنويري بإسلوب السهل الممتنع وأقرب للأرواح والعقول ، وقفت أمام تجربته مطولا لأجد التفرد والأختلاف الواضح الذي يغري بالتوغل أكثر مع هذا الشاعر ، عرف هذا الشاعر بالقصيدة التي غناها الفنان الكبير لطفي بوشناق تتحدث عن صفقة القرن المشبوهة :

العُرب بأخطر مرحلة

وجميع حروفهم علة

 

بوادي النمل إذا عبروا

ستموت من الضحك النملة

على رغم النقد اللاذع بالقصيدة لواقع الأمة ، وانتشارها الساحق بصوت بوشناق إلا أننا من الظلم بمكان أن نقف عند هذه القصيدة ونعرف هذا الشاعر بأنه صاحبها فقط ، وهذا يعيد للآذهان مأساة الشاعر الراحل عبدالناصر الحمد صاحب أغنية عشرين عام للفنان سعدون جابر ، رحل هذا العملاق بصمت دون ضجيج ليعود صوته الشعري إلى منبعه بعد أن بُح وهو ينادي ولا آذان تسمع لمن يدعون بأنهم نقاد وأقلام شريفة ،رحل ولم يحظى بالمكانة التي يستحقها كعلم من أعلام الأدب والشعر في عصرنا الحديث ..

بالعودة للشاعر د عماد الذي أغراني بالتوغل في شعره ، وأنا أقلب صفحات مجموعته الشعرية ” لمسة وفا ” التي قدم لها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم رحمه الله ، أكثر مالفتني هو التزامه بأصالة الشعر العربي دون الدخول في فوضى الحداثة التي لايزال البعض منغمساً في غمارها دون فهمها الصحيح ، الحداثة كما قدمها الشاعر بهذه المجموعة أنها التزام بأصالة الشعر ونظامه والتحديث كمن بالمفردة والمعنى ، بأسلوب رشيق يتغلغل من خلاله بالنفس كالنبيذ المعتق فيحدث خدراً لذيذاً ونشوى غامرة .

يحمل الشاعر وجع أمته من خلال عدد من قصائد المجموعة ومحورها فلسطين والقدس وكأنه يصرخ كي لاتنحرف البوصلة ، وأمام مشهدية الشهادة بفلسطين حيث الأم تزغرد في استشهاد إبنها يجد أن القصائد لم تعد تكفي :

القدسُ ملّت من قصائدنا وما

صنعتْ حروفٌ حين غادرت الفما

 

طفلٌ شهيدٌ والمُزغرد أمهُ

أقصيدةٌ من شعر هل تكفيهما ؟

ويقف عند حادثة نقل السفارة الأمريكية للقدس بوجع مستذكرا تاريخ أمته وأمجادها من خلال اقتباس من معلقة عمرو بن كلثوم قاتل ملك الحيرة في القصة المشهورة :

تعازينا على أقصى الحرارة

لهيب الذل يفتك بالمرارة

 

إذا بلغ الفطام لنا صبيٌ ”

سيلعننا إذا نقلوا السفارة

 

جاء محذرا بأن لعنة الأجيال القادمة لن نسلم منها ونحن بهذا الذل الرهيب أمام اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان الغاصب .. ويحث النائمين بعسل أمريكا أن يصحوا :

 

أفيقوا أيها المغمى عليكم

حجارُ القدس ليست للتجارة

 

أفيقوا أيها المرضيّ عنكم

من الأوغاد في تلك الإدارة

 

وتحضر الصوفية بأبهى صورها ، والثقافة الموسيقية،والوطن ،والوجدانيات والغزل الرشيق في تنوع واضح وثري .. ومن غزله الذي يطرب :

 

وماكل العيونِ لها عيونٌ

لها الثقلان نيران وماء

 

كظل سفينتين بلا شراعٍ

وأروع ما تكونان المساءُ

 

عماد الدين طه شاعر يحفر اسمه بازميل الأصالة على صخرة اللغة ، جاء كالمطر بعد تصحرٍ للذائقة بقصائدٍ كسنابل الفرات وياسمين دمشق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى