مقالات

الوزيرة والمواقف: حين يصبح الكيد الوظيفي سياسة عامة”

الوزيرة والمواقف: حين يصبح الكيد الوظيفي سياسة عامة"

الوزيرة والمواقف: حين يصبح الكيد الوظيفي سياسة عامة”

بقلم: محمود سعيد برغش

 

في بلد يعيش على نبض القرارات الفوقية، وبينما تنتظر الجماهير حلولًا لأزمات المرافق والخدمات، تطل علينا وزارة التنمية المحلية هذه الأيام بعرض كوميدي من الطراز الوزاري الفاخر، عنوانه: “كيف تخلق أزمة من لا شيء، وتوزّع المناصب كأنها كروت شحن”.

 

ففي أعقاب ما أطلق عليه إعلاميًا بـ”خناقة المسجد”، خرجت الوزارة بقرارات غير متوقعة، حيث تم تعيين اللواء أحمد السايس سكرتيرًا عامًا مساعدًا لمحافظة سوهاج، فيما تم إبعاد السكرتير العام السابق لمحافظة سوهاج من المشهد، ومنعه من الالتحاق كمستشار لمحافظة أسيوط، ليُمنح منصبًا جديدًا مدهشًا: “مديرًا عامًا للإشراف على مواقف أسيوط”.

 

نعم، مواقف سيارات الأجرة! وكأن إدارة الشؤون المحلية أصبحت أشبه بإدارة مرور، أو أن الوظائف القيادية تُحدد الآن وفق مهارات ضبط السير وفض اشتباكات السائقين!

 

المضحك أن أحدًا لم يوضح لنا – حتى اللحظة – ما العلاقة بين مؤهلات الرجل وبين إدارة مواقف السيارات. هل يمتلك خبرة ميدانية في هندسة “الزحام”؟ أم أن شهادته العليا في فنون السيطرة على الميكروباصات؟! أين المعايير؟ وأين المؤسسات؟ وأين احترام السيرة الوظيفية؟

 

هنا تحديدًا يتسلل الشك: هل نحن أمام تصفية حسابات شخصية تم تغليفها بورق “إداري رسمي”، أم أننا أمام وزيرة قررت استخدام صلاحياتها بطريقتها الخاصة، التي لا تخضع لمنطق ولا تعترف ببروتوكول؟!

 

هناك من يهمس بأن معالي الوزيرة تخطط لمغادرة البلاد والهجرة إلى كندا بعد أول تعديل وزاري قادم. حسناً، ربما هذا ما يفسر القرارات الغريبة التي تصدر وكأنها “ضرب في الميت”، أو محاولة لحرق الأرض قبل المغادرة.

 

ولكن حتى وإن كانت على أبواب الرحيل، فهل من المقبول أن نختزل مناصب قيادية إلى مجرد أوراق لعب في صراع إداري؟ هل باتت التنمية المحلية مختزلة في توزيع “عقوبات ناعمة” على من لا يدخلون في رضاها؟ أم أن المشهد ببساطة بات خارج السيطرة، والوزارة تسير على مبدأ: “خالف تُعرَف… وعينك في الموقف”؟

 

الحقيقة أن إدارة الدولة لا ينبغي أن تتحول إلى “تياترو حكومي”، ولا إلى منبر لتجريب قرارات مرتجلة على ظهور الموظفين العموميين. فالوظائف ليست مواقف، والسياسات ليست نِكايات، وما يحدث الآن تجاوز حدود العبث الإداري، وبدأ يقترب من الاستخفاف العام بمفاهيم الكفاءة والعدالة.

 

فلو كانت هناك جائزة لأكثر وزيرة تتقن تحويل مهامها إلى عرض ساخر يومي، لحصلت عليها بجدارة، ومعاها تذكرة VIP للموقف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى