Uncategorized

((الوصية في الورقة الثّالثة)) بقلم المنتجب علي سلامي

((الوصية في الورقة الثّالثة))
بقلم المنتجب علي سلامي
سألت زميلي مواسياً مُمازحاً ،بعد أن دفعني فضولي لذلك، وبعد ساعتين فقط من قبضه لشبح راتبه الشّهريّ القزم ، يوماً من الأيّام ، و بعد أن (طَبَشَ) سمّاعة الهاتف ناهياً مكالمة لدقائقَ من زوجته ،وهو يتمتم غاضباً ،وراح يكتب على ورقة ثانية قدّامي منهمكاً مُتسرّعاً بخطّ كأنّه تواقيعُ مسؤولين، أو كأنّه خطّ الأطباء على وصفاتهم لمرضاهم ، بعد أن انتهى من الكتابة على ورقة أولى لصفحة كاملة:
– خير إن شاء الله ….أراك منزعجاً ..توكّل على الله يارجل؟! ماذا كتبت – بربّك- ياصديقي على الورقة الأولى؟!
ردّ على سؤالي مُتنهّداً مهموماً بعد أن رفع بإصبعيه نظّارته السّميكة القديمة المُتآكلة فوق حاجبيه وردّد لمرتين عبارة (نعم الاتّكال على الله):
– كتبت تنبيهاً ، حتّى لاأنسى أسماء كومة الأغراض التي كلّفتني حضرة زوجتي المصونة أن أشتري قسماً منها نقداً وأستدين القسم الآخر من السّوق إن استطعت إلى ذلك سبيلا، و (أعتلها) كلّها ماشياً إلى البيت حينما أنتهي من دوامي الماراتونيّ بعد الظّهر.
فسألته أيضاً بفضول الزملاء مُستغرباً:
– وماذا كتبت على الورقة الثّانية؟!
فقال لي وهو يبتسم ابتسامةً صفراءَ:
– كتبت إنذاراً سأحمله بيدي اليمنى يذكّرني وأنا الشّارد في السّوق بالورقة الأولى، فقد أنساها في جيبي من كثرة الأفكار التي تتصارع في رأسي الموجوع، فأعود إلى البيت بلا أغراض نهائيّاً ، وإذا حصل ذلك معي لاسمح الله فعليّ أن أكتب وصيّتي على ورقة ثالثة ياصديقي…
وعليك بعد ذلك أن تُعزّي عائلتي بفقيدها الذي كان موظّفاً منتوفاً كادحاً وتشرب القهوة المُرّة داعياً لي وأنا زميلك المناضل في حلبات الدوائر الرسميّة بالرّحمة والمغفرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى