مقالات

تركيا أم المُدن التي تشدك من ياقة قميصك لحُبِّها

تركيا أم المُدن التي تشدك من ياقة قميصك لحُبِّها

تركيا أم المُدن التي تشدك من ياقة قميصك لحُبِّها

جعفر الدندل

 

 

تتغير الأمكنة عما كانت عليه حين تشاهدها أول مرة..
أذكر أنني حين جئت إلى تركيا قبل نحو ثلاث سنوات ونصف انبهرت من العمران والطابع الشرقي المتمدّن الذي تمتاز به ولايات الجمهورية التركية.. فحين تسير في تركيا تشاهد الطابع الشرقي القديم والروح العثمانية التي استطاعت صهر الحضارات الإسلامية السابقة في بوتقتها، ولكن هذه الروح لم تمنعها من التقدم وإنشاء سكك القطارات العادية والسريعة الكهربائية وبناء شوارع واسعة وإيصال خدمات الرفاهية للشعب الذي لا يشعر أن للدولة منة عليه وينتقدها دائما مطالبا بمزيد من التحسين في المعيشة والبنية التحتية والرفاهية والقدرات العسكرية..

تركيا دولة تشدك -أيها الشرقي- من ياقة قميصك وتجبرك أن تحبها وتشتاق إليها وتحب صوت أذان مساجدها (المحمدي)* كما يسميه بعضهم..

ثمة شيء في تركيا يجعلك لا تشعر كثيرا بالاغتراب، شيء يدعوك للبقاء وأن تتحمل ما تجده في بعدك عن بلادك وأهلك وعشيرتك وأصدقائك.. ربما يكون سبب ذلك أنهم مسلمون وحتى إنهم يشبهونك في الشكل والمظهر والتصرفات وكثير من العادات والتقاليد.. وربما لأنهم يشعرون بك ويواسونك كثيرا، وربما لأن لباقتهم تشبه لباقة العرب في زمن القوة، وربما لأن أسماء أكثرهم عربية فتناديهم بالنطق العربي الصحيح فيحبون ذلك ولا يصححون لك النطق كما يفعل كثير منهم إذا ما أخطأت في لفظ كلمة ذات أصل تركي..

ربما بسبب ذلك وربما لأسباب أخرى تشعر أنك ما تزال في دمشق أو حلب حين ترى تصميم الشوارع والأسواق القديمة في المدينة، فتنفصل عن واقعك وتعانق هذه الحجارة قبل أن تستفيق غلى لفظ أعجمي يذكرك أنك غريب هنا..

مهما حصل من تصرفات عنصرية من بعض الأتراك فأنا أعلم أنها لا تمثل كل الأتراك، وقد قابلت كثيرا من المعارضة هنا من أتباع حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الأخرى فلم ألمس عندهم عنصرية وإنما هو كره للنظام الحاكم لأسباب كثيرة..

اليوم حين مررت في بسوق العرب وجدت أكثر المحلات مغلقة وأصحابها قد عادوا إلى سورية، إلى حلب وإدلب وحمص ودمشق فشعرت مجددا بالغربة.. لذا أعتقد أن إقامتي هنا قد شارفت على النهاية لأطوي بذلك نحوا من ست سنوات من الاغتراب والتنقل بين ثلاث دول لأحط رحالي في النهاية في المكان الذي انطلقت منه وحيدا شريدا لأعود ومعي عائلتي التي نمت جذورها ونبتت بعيدا عن عبير الأهل وحديث الأصدقاء..

*يسمي بعض الأتراك الأذان العربي بالأذان المحمدي، وهم فئة من المتدينين منهم، وذلك لأن الأتراك القوميين العلمانيين غيروا الأذان إلى اللغة التركية حتى أعاده عدنان مندريس الذي أعدم بعد ذلك بعام.. فصار الأتراك يسمون هذا الأذان (العربي) بالأذان المحمدي لأنه الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى