تهيئة القلب لاستقبال شهر رمضان

تهيئة القلب لاستقبال شهر رمضان
كتب .. حماده مبارك
اقترب رمضان قد لاحت بشائره، واقترب فجره، وتاقت القلوب لنوره، هو تاج الشهور، ومعين الطاعات، نزل القرأن في رحابه، وعز الإسلام في ظلاله، وتناثرت الفضائل في سمائه، هو ميدان سباق لمن عرف قدره، ومنبع إشراق لمن أدرك سره، وموسم عتق لمن أخلص أمره، وروضة إيمان لمن طابت سريرته واستنار فكره، قال صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه).
فإن رمضان خيراته تتدفق، وأجوره تتزاحم وتتلاحق، فهيا نستعد له استعدادا يليق بمقامه، وسلوكا يرتقي لنعمه وإجلاله، فرمضان أيامه معدودة، وساعاته محدودة، يمر سريعا كنسيم عابر، لا يمكث طويلا.
فإن ن الاستعداد لرمضان يكون بتهيئة النفس، ونقاء القلب، وإنعاش الروح، من خلال تخفيف الشواغل، وتصفية الذهن، فراحة البال تجعل الذكر أحلى، والتسبيح أعمق، وتمنح الصائم لذة في التلاوة، وأنسا في قيام الليل.
ولأن تهيئة القلب تكون بتنقيته من الغل والحسد، وتصفيته من الضغينة والقطيعة وأمراض القلوب، فلا لذة للصيام والقلب منشغل بالكراهية، ولا نور للقيام والروح ممتلئة بالأحقاد، فهل نحن مستعدون إلى تنظيم الأوقات في هذا الشهر الفضيل، فلا يضيع في اللهو، ولا ينشغل بسفاسف الأمور، وخير ما يستعد به العبد الدعاء الصادق من قلب مخبت خاشع.
فإن ن رمضان شهر القرأن، وتلاوته فيه لذة تنعش القلب بهجة وحلاوة تفيض على الروح قربا، ففي تلاوة القرأن يشرق الصدر نورا، وبكلماته تهدأ النفس سرورا. وبصوت تلاوته يرق القلب حبا، فتشعر وكأن كل أية تلامس روحك من جديد، وكأن كل حرف ينبض بالحياة.
فإن رمضان مدرسة الإرادة وساحة التهذيب، يدرب الصائم على ضبط شهواته، وكبح جماح هواه، وصون لسانه عما يخدش صيامه، فيتعلم كيف يحكم زمام رغباته، ويلجم نزواته، ويغرس في قلبه بذور الصبر والثبات، لان هذه الإرادة التي تربى عليها المسلم في رمضان تمتد لتشمل الحياة كلها، فمن ذاق لذة الانتصار على نفسه سما بإيمانه وشمخ بإسلامه فلم يعد يستسلم للهوى، ولا يرضى بالفتور عن الطاعة، قال تعالى (وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
فرمضان بشعائره ومشاعره محطة ارتقاء بالإنسان، ورقي بالحياة، فهو يبني الإنسان الذي هو محور صلاح الدنيا وعماد ازدهارها، ويهذب سلوكه، ويسمو بأهدافه، فإن العبادة ليست طقوسا جامدة، بل قوة حية تغذي الإنسان ليبني المجد على أسس راسخة من الدين والأخلاق والعلم، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
فإن المولى عز وجل، اختص المريض والمسافر برخصة، فجعل لهما فسحة في القضاء بعد رمضان، فقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، مبينًا أن التشريع رحمة، وأن التيسير مقصد. فالصيام لم يُفرض لإرهاق الأجساد، بل لتهذيب الأرواح، وترسيخ التقوى.
ولأن أوجه العطاء في رمضان عديدة، وذلك من خلال إنفاق المال، والابتسامة، وقضاء حوائج المحتاجين ومساعدتهم، والصدقة الجارية، فقد كان ، عليه الصلاة والسلام ، أجود ما يكون في رمضان ، عطاؤه بلا حدود، وكرمه بلا انقطاع، يفيض بالجود كما يفيض السحاب بالمطر، لا يرد سائلا، ولا يحجب فضلا.
فهل نحن مستعدون لاستقبال هذا الشهر الفضيل، ادعوا الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا رمضان لافاقدين ولامفقودين، ولن يتقبل منا جميعا صالح الاعمال ، وكل عام وحضراتكم بالف خير.
