مقالات

توقف فالحياة مفخخة

توقف فالحياة مفخخة

 

منير الحاج

 

ذات مرة كنت أحدث جدتي عن المستقبل وما أنوي فعله ، وكيف ستتحول حياتي عما قريب حين أحصل على وظيفة مرموقة ، رمقتني جدتي وهي مصغية للمذياع ثم قالت “توقف فالحياة مفخخة”…

 

سكت طويلا وأنا أناظر جدتي التي سرعان ما عادت بعد عبارتها تلك لسماع المذياع ، ثم ما لبث حتى بددت صمتي وتفكيري حول ماهية عبارتها ثم قالت “توقف فالحياة مفخخة في طريقي الصحفيين ، الصحفيين المستقلين وأولئك المتمرسين في خنادق الدفاع عن أرباب وأولياء نعمتهم ، حتى الباحثين الطامحين لحياة كريمة ووطن آمن حتى هم يا بُني حياتهم ليست في مأمن”…

 

انصرفت عنها وكلي صمت ، ومنذ العام الأول لعملي في هذه المهنة وأنا أحاول تفسير حديثها ، وكلما حادثتها بالهاتف أو ظفرت بزيارتها تبادر بالسؤال : ما حال طموحاتك وأهدافك المستقبل ، أراك أطلت المسافة ولم تصل بعد ؟…

 

اليوم أكتب إلى جدتي…

أجهش بالبكاء ، وأقول إليك جوابي الذي طال أمده ، وانزالت غشاوته هذه الليلة…

 

جدتي لقد اغتالوا الصحفي محمود العتمي وزوجته رشا الحرازي…

 

إليك جدتي هاهم القتلة يرسمون دربا مختلفا لحياة الصحفيين الذين سلكوا طريقا غير طريق الحرب…

 

هاهم يفخخون ابتسامتهم ، يمزقون أجسادهم ، يشتتون أواصر المحبة والدفء لأسرة بداية تكوينها وتناميها…

 

هاهم يزرعون عبوة ناسفة في سيارة الصحفي محمود العتمي وزوجته رشا الحرازي…

 

هاهم هنا في عدن التي تعاني ويلات الانقسام والتشظي يجهضون حلم الأسرة في البقاء على قيد الحياة ، يجهضون حلم سماع ضحكة ابن ثان قادم للحياة…

 

هاهم يقتلون رشا الحرازي ، يصيبون زوجها بجراحي الفراق والجسد ، الأول لن يتعافى منه طيلة الدهر ، والآخر سيتعافى منه لربما إن كتب له النجاة ، مات جنينهم ،وبقي جواد في المنزل ينتظر من سيعود من والديه حيا وميتا…

 

إليك جدتي ، أحلامنا المبعثرة ، وطننا المفجوع ، ودموع الفجيعة والانتظار لقادم مجهول سنعبره مرغمين دون خيار…

 

رحم الله الصحفية رشا ، وشفاء الله زوجها الصحفي وصبره على فراق زوجته وطفله ، واللعنة على القتلة عدد بواكي الوطن دون استثناء أو تصنيف البواكي حسب الفواجع والانتماء…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى