حب النبى صلى الله عليه وسلم

حماده مبارك
عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين” .
وفي رواية عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “فو الذي نفس محمد بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده” (أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والحاكم) .
(لا يؤمن) أي لا يؤمن الإيمان الكامل (أحب إليه) أكثر وأشد محبة . (فو الذي نفس محمد) من ألفاظ القسم بالله عز وجل، وكانت تتردد على لسان رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم .
يقسم – عليه الصلاة والسلام – بالله جلت قدرته وعظمته بأن إيمان المسلم لا يكون كاملاً حتى يرجح حب الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – على حبه لأبيه وابنه والناس أجمعين، وفي رواية أخرى لهذا الحديث الشريف “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله والناس أجمعين” .
فالمراد من نفي الإيمان هو نفي الإيمان الكامل، وليس المقصود الكفر، والمعلوم أن محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا تتحقق إلا باتباع سيرته والعمل بطريقة دعوته والتقيد بأحكامه، فهو الأسوة الحسنة لنا في كل زمان ومكان لقوله عز وجل “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً” (سورة الأحزاب الآية: 21)، ولقول الرسول – صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به” (أخرجه ابن عاصم في كتابه السنة والتقي الهندي في كتابه كنز العمال وابن حجر في كتابه فتح الباري والنووي في كتابه الأربعين النووية) .
ويحذرنا القرآن الكريم من أن نوكل أنفسنا إلى الدنيا وأن تغرينا بزينتها فتحول بيننا وبين محبتنا لله وللرسول – صلى الله عليه وسلم – فالله عز وجل يقول محذرا من مغبة ذلك “قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين” (سورة التوبة (براءة) الآية: 24) .
فهذه الآية الكريمة ذكرت ثمانية أصناف من أمور الدنيا التي يحبها الإنسان عادة ويفتتن بها، وحذرت الآية الكريمة من ترجيح هذه الأصناف الثمانية على محبة الله ورسوله وجهاد في سبيله . ووصفت الآية الشخص الذي يرجحها على محبة الله ورسوله بالفسق . والمعلوم أن مرتبة الفسق تسبق مرتبة الكفر أي أن مرتبة الفسق تقع بين مرتبة الإيمان ومرتبة الكفر .
لقد اعتبر الله عز وجل طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – من طاعته بقوله “من يطع الرسول فقد أطاع الله” (سورة النساء الآية: 79)، كما عدّ الله سبحانه وتعالى اتباع الناس للرسول دلالة من دلالات محبتهم لله رب العالمين بقوله: “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم” (سورة عمران الآية: 31)، والمراد: قل يا محمد للناس: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني وأطيعوني، حينئذ فإن الله يحبكم ويغفر لكم ذنوبكم، والمعلوم بداهة أن من صفات الله العلي القدير: أنه غفور رحيم .
لم يقتصر وجوب محبتنا للرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى هذا الحد وإلى هذا المستوى بل تعداه إلى النفس أيضاً، فقد ورد أن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “يا رسول الله لأنت أحب إليك من كل شيء إلا من نفسي”، فقال – صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك”، فقال عمر: “فإنك لأنت أحب إليّ من نفسي” فقال عليه الصلاة والسلام “الآن يا عمر” (أخرجه البخاري والترمذي وأحمد والتقى الهندي عن الصحابي الجليل عبد الله بن هشام رضي الله عنه) .
هذه منزلة رسولنا الأكرم – صلى الله عليه وسلم – لدى المؤمنين الصادقين، إنها محبة إيمانية، تتمثل في اتباع سنته وطريق دعوته، فحري بالمسلمين أن يرتفعوا إلى هذه المنزلة الإيمانية ليأخذ الله عز وجل بأيديهم وليكتب لهم النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة . وبهذه المناسبة أنصح كل مسلم أن يقتني في بيته كتاباً في السيرة النبوية إلى جانب القرآن الكريم ليعيش المسلم في الأجواء الإيمانية، وليتخرج في المدرسة المحمدية الحافلة بالعبر والدروس والعظات . وصدق الله العظيم بقوله “فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” (سورة البقرة الآية: 38)، وقوله “فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى” (سورة طه الآية: 123) .