Uncategorized

دراما رمضان: بين الترفيه والقيم الغائبة محمود سعيدبرغش 

دراما رمضان: بين الترفيه والقيم الغائبة محمود سعيدبرغش 

دراما رمضان: بين الترفيه والقيم الغائبة

محمود سعيدبرغش 

 

يأتي رمضان كل عام ليكون شهر الطاعة والعبادة، حيث تُغلُّ الشياطين كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم:

 

“إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” (متفق عليه).

 

لكن رغم ذلك، نجد أن تلاميذ الشياطين من الإنس قد استعدوا جيدًا لملء الفراغ، مستخدمين وسائل الإعلام والدراما لتوجيه العقول نحو عوالم مليئة بالعنف، والرقص، والعري، والمخدرات، والعصابات، والضحك الفارغ.

 

مسلسلات بلا رسالة وقيم مغيبة

 

لو تأملنا في كثير من المسلسلات التي تُعرض في رمضان، لوجدنا أنها لا تهدف إلى غرس القيم الإسلامية، بل تركز على الإثارة والمكاسب التجارية. نرى قصصًا عن البلطجة، وتجارة الآثار، والعصابات، والمخدرات، وكأن المجتمع لا يوجد فيه خير أو نماذج مشرقة تستحق أن تُروى. حتى الأعمال الكوميدية غالبًا ما تكون هزلية، تافهة، خالية من أي مضمون مفيد.

 

كل هذا يحدث بينما تغيب الأعمال التي تتحدث عن:

✔ صلة الأرحام، رغم أن الله تعالى قال:

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء: 1).

 

✔ بر الوالدين، الذي جعله الله مقرونًا بعبادته فقال:

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا﴾ (الإسراء: 23).

 

✔ حقوق الجار، والتي أكدها النبي ﷺ بقوله:

“ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” (متفق عليه).

 

✔ إصلاح ذات البين، الذي هو من أعظم الأعمال عند الله، كما قال النبي ﷺ:

“ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟” قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة” (رواه الترمذي).

 

الإعلانات والاستغلال التجاري

 

لا يتوقف الأمر عند المسلسلات، بل تمتد المشكلة إلى الإعلانات التي تُغرق القنوات، وكأن الهدف الأساسي هو الترويج للاستهلاك والجشع التجاري، وليس الاستفادة من روح الشهر الكريم. حتى التبرعات والصدقات، التي ينبغي أن تكون خالصة لوجه الله، أصبحت تُستخدم في الإعلانات بأسلوب أشبه بالمزايدة العاطفية لجذب التبرعات، بدلًا من أن تكون وسيلة لنشر الخير دون استغلال مشاعر الناس.

 

هل الإعلام مسؤول عن صرف الناس عن العبادة؟

 

ليس الهدف من هذا النقد تحريم الدراما والترفيه، ولكن أين هي الأعمال التي تعكس روح رمضان الحقيقية؟ لماذا لا نرى أعمالًا تعزز القيم، أو تروي سير الصحابة والصالحين، أو تسلط الضوء على النماذج الإيجابية في المجتمع؟

 

المشكلة ليست فقط في المحتوى، بل في التوقيت والتأثير. فبينما يسهر الناس لمتابعة المسلسلات حتى الفجر، تضيع منهم صلاة التراويح وقيام الليل، وتضيع لحظات الخلوة مع الله التي لا تعوض.

 

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (المنافقون: 9).

 

الرسالة هنا ليست فقط لصُنّاع الدراما، بل للمشاهدين أيضًا. هل نريد أن نقضي شهر الطاعة أمام الشاشات، أم نستغله فيما يُقربنا من الله؟ رمضان فرصة عظيمة، فلنحرص على استغلاله في ما ينفع، ولنكن قدوة لأولادنا في انتقاء ما نتابع، حتى لا يصبح الشهر موسمًا للهو والغفلة بدلًا من أن يكون شهر التغيير والارتقاء.

 

نسأل الله أن يهدينا جميعًا لما فيه الخير، وأن يعيننا على استثمار رمضان فيما يحبه ويرضاه.

 

﴿وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ﴾ (الحديد: 20).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى