شعر و ادب

ذاكرة ألم

ذاكرة ألم

ذاكرة ألم

بقلم . سناء حسن

أمام قبر والدي سقط كل حرف وانهارت الكلمات من شفتيّ، حتى الدموع تجمدت في مقلتي وأبت النزول.. أتراها تعرف ألّا قيمة لها أمام عينيه الزجاجيتين و جسده النحيل.
أمام جثته الباردة وقفت بلا حراك لم أبدي أي شعور ولا حتى صوت واحد، نظرت إليه بلا تعبيرات على وجهي كأن الحياة فارقتني أنا.
بضعة ذكريات كانت تحفظ عقلي وقلبي من الانتهاء
نظرة عينيه وكلمات قليلة يتفوه بها كانت تعيد الحياة لكل ما مات في داخلي والآن كأن كل شيء ينتهي.
فقدت إحساسي بالمحيط الخارجي، سيطر الخوف على كل جزء من أجزاء جسدي.
عيناي فارغتان من أي شعور، لكن في الحقيقة لم أكن أشعر بالحزن كنت خائفة.. فكرة النسيان تؤرقني.

هاهي جثة والدي محاطة بالرهبة ورعشة الموت.. صراخ وعويل يملأ الأجواء.
ترى هل يبكون والدي أم يبكون خوفا على أنفسهم ، على كل الأحوال هو بكاء عمره ساعتين، مايخيفني ما سيحصل بعد هاتين الساعتين سيذهب كل منهم إلى حياته سينسون والدي كأنه لم يكن موجودا، كأن جثته لم تكن هنا كأن روحه لم تعانق كل زاوية في هذا المكان سيغمض عينيه إلى الأبد وحيداً.
أغمضت عيني وعدت طفلة في العاشرة من عمري أركض حوله وهو يبتسم برصانته المعهودة، يقول لي لن تكوني أبدا وحيدة سأكون خلفك دائما ، يمسك يدي بقوة كأنه خائف من فقدي وأنا أسحبها من بين يديه الدافئتين أريد أن أركض خلف الفراشات.. أريد أن ألعب هنا وهناك ها هي الأدوار تنقلب ها أنا أمسك يده بقوة لا اريد تركه لا أريد أن أفقده، يا الله لو كنت أعلم وقتها لتركت اللعب وتشبثت به لم أكن لأتركه أبدا، كيف مرت الأيام بهذه السرعة كيف تحول سماره المعهود إلى برود جامد كيف تحول شعره الأسود إلى شيب كيف لم أنتبه إلى عينيه المليئتين بالحب تتحولان إلى الحزن والصمت كيف انشغلت بحياتي وتركته وحيدا..
وضعت رأسي على شاهدة القبر وانهمرت دموعي صوت نحيبي كان مسموعا.. أبكي لأنني بدأت أنسى ملامح وجهه تجاعيد السنين على جبهته ، أنسى عينيه العسليتين وكيف كان يبث الطمأنينة والحياة في قلبي.
أنسى ابتسامته، مشيته التي كانت تعطيني الأمل والثقة.
خمس سنوات مرت منذ أن رأيت والدي خاليا من ألوان الحياة وفي كل مرة أنهار بالبكاء على قبره انا التي لم أذرف دمعة واحدة على جثته.
هنا فقط أحس بانعكاسات الأمل داخل روحي المتعبة كأنّ والدي يخرج إلى جواري ويمسك يدي
كيف يمكن للأموات أن يفهموننا، كيف يمكن أن يمسك بيدي ويرشدني دائما حيث الأمل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى