مقالات

سماحة الرسول الكريم “جزء 6”

سماحة الرسول الكريم “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع سماحة الرسول، عن نبيه بن وهب أخي بني عبدالدار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه، وقال “استوصوا بالأسارى خيرا” قال وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى، قال، فقال أبو عزيز، مرّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال شدّ يدك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، قال وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدّموا غداءهم وعشاءهم، خصوني بالخبز وأكلوا التمر، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، قال فأستحيي فأردها على أحدهم.

فيردها عليّ، ما يمسها، فكان هذا الخلق الكريم، الذي غرسه القائد الرحيم صلى الله عليه وسلم في أصحابه وجنده وشعبه، قد أثر في إسراع مجموعة من كبراء الأسرى وأشرافهم إلى الإسلام، فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر، بُعيد وصول الأسرى إلى المدينة وتنفيذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم معه السائب بن عبيد، وعاد الأسرى إلى بلادهم وأهليهم يتحدّثون عن محمد صلى الله عليه وسلم ومكارم أخلاقه، وعن محبته وسماحته، وعن دعوته، وما فيها من البر والتقوى والإصلاح والخير، وهكذا كانت إنسانيته صلى الله عليه وسلم في غزوة حُنين مع الأسرى، فيقول جان باغوت غلوب وكان انتصار المسلمين على هوازن في حُنين كاملا.

حتى إنهم كسبوا غنائم كثيرة بين أعداد وفيرة من الإبل والغنم، كما أسروا عددا ضخما من الأسرى، معظمهم من نساء هوازن وأطفالها، وعندما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف دون أن يتمكن من فتحها، شرع يقسم الغنائم والأسلاب بين رجاله، ووصل إليه وفد من هوازن المهزومة المغلوبة على أمرها، يرجوه إطلاق سراح النسوة والأطفال من الأسرى، وسرعان ما لبّى النبي صلى الله عليه وسلم الطلب، بما عُرف عنه من دماثة وتسامح، فلقد كان ينشد من جديد في ذروة انتصاره أن يكسب الناس أكثر من نشدانه عقابهم وقصاصهم، ولقد تأثر مالك بن عوف زعيم هوازن المهزومة بهذا العفو الكريم والخلق العظيم من رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.

بعدما أطلق له كل الأسرى من قومه، فجادت قريحته لمدح النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ ينشد أبياتا من الشعر يشكر فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكذلك كانت إنسانيته صلى الله عليه وسلم مع الحيوان، فكان صلى الله عليه وسلم يعتبر الحيوان كيانا معتبرا، ذا روح، يُحس بالجوع، ويشعر بالعطش، ويتألم بالمرض والتعب، ويدركه ما يدرك الإنسان من أعراض الجسد، لذا رأيناه صلى الله عليه وسلم تتألم نفسه ويرق قلبه لحيوان ألمّ به الجوع ونال منه الجهد؛ فعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير قد لصق ظهره ببطنه، فقال “اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة”

فعن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود رحمه الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها” ورأى قرية نمل قد أحرقناها، فقال “مَن أحرق هذه؟” قلنا نحن، قال “إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار” فهذا هو نبي الإنسانية، مَن علمها الرحمة والرفق واللين والحب صلى الله عليه وسلم، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العظم فأتعرقه، ثم يأخذه فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي” فلننظر ولنتأمل كيف يلاطف النبي صلى الله عليه وسلم أهله، ويدخل السرور على قلوبهم؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى