سماحة الرسول الكريم “جزء 7”

سماحة الرسول الكريم “جزء 7”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع سماحة الرسول، فلننظر ولنتأمل كيف يلاطف النبي صلى الله عليه وسلم أهله، ويدخل السرور على قلوبهم؟ وكيف يعاشر أهله بالمعروف؟ فهو القدوة، وهو الأسوة الذي يجب علينا أن نتأسى ونقتدي به، في تعاملنا مع زوجاتنا وأبنائنا، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث، فقالت حفصة ألا تركبين الليلة بعيري تنظرين وأنظر، فقالت بلى، فركبت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الأذخر.
وتقول يا رب سلط عليها عقربا، أو حيّة تلدغني، رسولك، ولا أستطيع أن أقول له شيئا” وفي هذا الحديث يتضح لنا فيه عدل النبي صلى الله عليه وسلم بين زوجاته، وطيب قلب السيدة عائشة وأنها على نياتها، ولا تعلم ما تدبر لها حفصة رضي الله عنهن، فلما علمت بما فعلته لها، تألمت وغارت من هذا الفعل وأخذت تدعو على نفسها بالموت، كيف استأثرت تلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع أنها هي الأحق، ولم تستطع أن تصنع شيئا سوى أنها رجعت على نفسها تلومها وتدعو عليها، فهذا هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، رسول الله إلى العالمين ، وحجته على الخلق أجمعين، الذي اختاره الله جل جلاله لحمل رايته والتحدث باسمه، وجعله خاتم رسله.
وأثنى عليه فقال ” وإنك لعلى خلق عظيم” ولقد رأى كل هذا أهل مكة، الذين عاصروا ولادته وطفولته، بما انطوت عليه من رجولة مبكرة، ولقد كانت قريش تتحدث عما أنبأتهم به، وأذاعته بينهم مرضعته حليمة، حين عادت به إلى أهله، ولقد كانت حليمة تدرك أن هذا الطفل غير عادي وأنه ينطوي على سر يعلمه الله، وقد تكشفه الأيام، ما إن أخذت حليمة السعدية، النبي صلى الله عليه وسلم حتى درّ ثديها اللبن، فارتوى منه محمد صلى الله عليه وسلم وابنها الذي كان يبكي من الجوع لجفاف ثدي أمه، ثم امتلأ ضرع راحلتها باللبن بعد أن كان يابسا، فشبعت هي وزوجها، ثم أصبحت الراحلة نشيطة قوية، ولما وصلت ديارها أخصبت الأرض وأربعت.
فلا تحل أغنام حليمة إلا وتجد مرعا خصبا، فتشبع أغنامها حين تجوع أغنام قومها، وعاش طفولته صلى الله عليه وسلم في بني سعد وكان ينمو نموا سريعا لا يُشبه نموّ الغلمان، وأما شبابه صلى الله عليه وسلم فيا لطهر الشباب، وعندما حجّ أكثم بن صيفي وهو حكيم العرب، ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو في سن الاحتلام، قال لعمه أبي طالب ما تظنون به ؟ قال نحسن به الظن، وإنه لوفيّ سخي، قال هل غير هذا ؟ قال نعم، إنه لذو شدة ولين ومجلس ركين، وفضل متين، قال فهل غير هذا؟ قال إنا لنتيمّن بمشهده، ونتعرّف البركة فيما لمسه بيده، ولقد كانت رجولته مقياسا لقومه يقيسون بأخلاقه وتصرفاته كل رؤاهم عن الحق والخير والجمال.
فهاهم ذا على وشك أن يقتتلوا في من يضع الحجر الأسود في مكانه، وأخيرا ألهمهم الله تعالى إلى تحكيم أول من يقبل من باب الصفا، وما زالوا كذلك حتى أقبل محمد صلى الله عليه وسلم، فما أن رأوه حتى قالوا هذا محمد الأمين، رضينا به حكما، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم نقاء وصدقا وعفافا وطهرا، لم يُجرّبوا عليه كذبا؟ ولم يظلم إنسانا؟ لم يخُن صديقا ولا عدوا؟ ولم يكشف عورة؟ ولم يخفر ذمة؟ ولم يقطع رحما؟ ولم يتخل عن مروءة؟ ولم يشتم أحدا؟ لم يشرب خمرا؟ لم يستقبل صنما؟ فالنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم شخصية فريدة جعلت سادة قومه يُسارعون إلى الاستجابة لدعوته، كأبي بكر وطلحة والزبير وعثمان وغيرهم، تاركين وراءهم كل مجد وجاه ، مستقبلين حياة تمور بالأعباء وبالصعاب.