عالمٌ مُفعمٌ بالجنون ” عرض مسرحي لاجديد فيه
عالمٌ مُفعمٌ بالجنون " عرض مسرحي لاجديد فيه

” عالمٌ مُفعمٌ بالجنون ” عرض مسرحي لاجديد فيه
سامر خالد منصور / دمشق
” عالمٌ مُفعمٌ بالجنون ” عنوان العرض المسرحي الذي تم مؤخراً على خشبة مسرح الحمراء بدمشق بعد أن عُرض في اللاذقية ، ولست أجد الرابط الكافي بين العنوان والمضمون ، حيث يتناول العرض المسرحي رجلاً مُتطرفاً في تدينه يعاني من الذُهان العقلي والاضطرابات النفسية ويحسب نفسه ” المُخلّص المُنتظر ” ولديه تابع يُصدقه ويجاريه في تصوراته هذه ، يستدعي هذا الرجل صديقاً له ” علمانياً ” ويتجادلان ثم يقوم صديقه بإجراء مكالمة هاتفية ، ينقضي الأمر على إثرها . أعلم أنكم تنظرون سماع المزيد من فصول العرض المسرحي ، لكن لا يوجد ، هذا كل ما في الأمر !!
جميعنا كان ينتظر ليعرف ما مشروع ذلك المتطرف الذي يهذي ” الخالص ” الذي يحسب نفسه ” مُخلّص ” وإلى أين سيصل ، وما الذي سيجره على المجتمع من ويلات ، لكن شئياً لم يحدث بقي في غرفته مع تابعه يعاني أوهامه ويعيش غروره ثم انتهى أمره بمكالمة هاتفية ، هكذا بكل بساطة وكأننا في عالم وردي ، بمكالمة واحدة يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وفي هذا السياق للعرض المسرحي فهذا ليس عالماً مُفعماً بالجنون كما يزعم كاتب العرض الدكتور محمد بصل ، عبر عنوان العرض !
العجيب في الأمر ليس كثرة العيوب الجوهرية في النص المسرحي والتي سأتطرق إلى أبرزها ، بل العجيب أن يأتي هذا ” الفصل الممطوط ” تحت مسمى عرض مسرحي قدمته فرقة اتحاد الكتاب العرب المسرحية في اللاذقية بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا و مديرية الثقافة في اللاذقية ، دون أن يكون هناك من ينصح الكاتب أو يبين له عيوب نصه المسرحي ، أبلغَ بنا النفاق أو عدم الاكتراث هذا الحد ؟!
الحبكة :
من المؤسف أن نضطر إلى شرح بديهيات متعلقة بالحبكة والتي هي فن إدارة الصراع وما ينجم عنه من أحداث ومؤدى هذا الصراع .
جاءت شخصيات النص المسرحي على طرفي نقيض ” علماني ” ومتطرف مُختل ” وصراع الأضداد مسألة انحسرت في الآداب منذ انقضاء العصور الوسطى .
لا وجود للحبكة في هذا العرض المسرحي ، بل هناك شخصيتان رئيستان متناقضتان ” تردح كل منهما للأخرى ، في حوار لا يُنتج شيئاً ، خلافاً لفن المسرح حيث يجب أن يؤدي الحوار بين الشخصيات الرئيسة في ذروته ، إلى ما يُسمى بالحالة ” اللولبية ” والحركة اللولبية كما هو معروف حركة صاعدة ، لكن لم يكن هناك تصعيد فكري أو منطقي ، أي فكرة تُبنى على صدام أو اندماج بين فكرتين ، بل بقيت الشخصيات كلٌّ مُتخندقٌ في مربعه الذهني ويردح للآخر .
وكما هو معروف الفن لا يكون عظيماً بمقدار موضوعه ، فقد نقرأ نصاً هزيلاً تافهاً عن ” الأم ” مثلاً . لذا وبعيداً عن موضوع النص المسرحي في هذا العرض وما يطرحهُ ، كان الحوار أقرب إلى ثرثرة أيديولوجية الطابع منه إلى تفنيد في الواقع وتأصيل لما يجب تفنيده وتأصيله عبر الفن ، والذي يُعدُّ ” الحدث ” أمراً هاماً فيه ، ومحوراً للتشويق ، حيث فن المسرح ليس حواراً فقط ، وأعتذر عن التطرق إلى هذه البديهيات مجدداً .
الخاتمة الكارثية للنص :
عادة عندما يريد أن ينتصر من يجسدون المنطق على من يجسدون الإجرام والاختلال ، يستخدمون ذكاءً حاداً أو يكونون أصحاب رؤية ، أما أن يتم حل المشكلة برمتها عبر مكالمة هاتفية يُجريها من يؤدي شخصية ” الرجل العلماني ” بمستشفى الأمراض العقلية وينهي بذلك كل المخاطر المرتقبة من تلك الشخصية المُختلّة المتطرفة ، فهذه أسخف نهاية ممكنة برأيي ، ما هذا الشر التافه الذي يمكن النيل منه بمكالمة هاتفية ؟! وأين حماية القوى الطامعة بسورية والداعمة والمستثمرة لمثل هذه النماذج المتطرفة المُختلة والتي لطالما كانت تتبناها وتدعمها في واقعنا السوري ؟
وفي مشهدٍ لاحق ، تظهر الشخصيات الثلاث أي بمن فيهم ” العلماني ” في ثياب المستشفى التي تُلبس للمجانين عادة !! والسؤال هنا ما الذي قاد إلى هذه النتيجة في سياق النص ؟!! أي لماذا ودون أي مبررات ، جُنّت شخصية ” العلماني ” والتي كانت واثقة رصينة ولم ينجح أحد في زعزعة قناعاتها !!
كل ما سبق على صعيد النص الذي يرتكز إليه العرض أما على صعيد الإخراج :
الرقص المسرحي :
تراوح الرقص المسرحي المُقدم في العرض بين كونه موفقاً حيناً ونمطياً حيناً آخر كالرقصة الدائرية للأشباح حول المُتطرّف ، فالرقص المسرحي ليس حركتان يكررهما الراقص في الراقصة وحركتان للذي يليه .. إلخ بل متعة بصرية نابضة سواء توجهنا بأنظارنا إلى الفرد أو إلى المجموعة .
شاشة الظل وهي طريقة ممجوجة ، كثيراً ما يستخدمها المسرحيون لذات الغايات التي استخدمها لأجلها المخرج الدكتور محمد بصل ، وكم تمنينا لو رأينا بصمة إخراجية لافتة ، ومع ذلك فضح بعض الكتاب ضحالة متابعاتهم حين كتبوا مديحاً لهذا العرض المسرحي المزعوم فأثنوا على ما هو مُعتاد و ممجوج ولم يرصدوا عيوبه الجوهرية !!
بطاقة العرض / تأليف وإخراج :
الدكتور محمد إسماعيل بصل .
الممثلون :
شاكر شاكر
منار آعا
جعفر درويش
الأشباح :
جعفر مناع ، مجد سليمان ، كرم شحادة ، ميمار الشبلي ، ديانا سليمان ، مصطفى عسكر ، علي عليا .
الفنيون :
تصميم وتنفيذ إضاءة / غزوان إبراهيم .
تنفيذ ديكور / بسام سعيد .
تصميم الملصق / شاكر شاكر .
مؤثرات صوتية / أحمد بسما .
اكسسوار وأزياء / فرقة أليسار المسرحية .
تعاون فني / نضال عديرة ، وفرقة أليسار المسرحية .