Uncategorized

عشق بنكهة “الأتوبيس” خبقلم : يوسف الفرساوي

قصة قصيرة “عشق بنكهة “الأتوبيس”

يوسف الفرساوي ـ قصبة تادلة ـ المغرب

شاحب الوجه، عيناه مغرورقتان بحزن عميق، ورشات شيب متناثرة في شعره الأسود تكاد الأوساخ أن تغير لونها إلى البني، حاملا محفظة من فرط استعمالها تطلب تقاعدها،

يجلس متكئا حافي القدمين ينتظر الأوتوبيس حاملا له أملا يخرجه من يأسه، على الرصيف غارسا وجهه يحسب أرجل المارين من جانبه، يتبادر صوت إلى أذنه صوت قوي كصوت الجلادين “

خذ هذه الدرهم”، يرميها عليه ويواصل المسير، يتبعه ليرجع له درهمه، يا سيدي يلتفت إليه: ” دير خير مايطرا باس”، وتابع:” أعطيتك درهما وتريد المزيد”، يجيبه بخجل فيه خوف:”لا يا سيدي…”

يقاطعه :”اسمع عد إلى مكانك وعند رجوعي سأضيف لك درهما أخرى”، عجز عن إيصال فكرته، يلتفت يمينا وشمالا وجهوه ترمقه وأخرى تمقته، من يعرفه يتأسف لموقفه،

ومن لا يعرفه يضحك ضحكات استهزاء، يطأطئ رأسه خجلا مما وقع له، يعود لمكانه يجلس بطريقته المعهودة يتذكر شريط الموقف الذي وقع له، يتمتم بصوت غير مفهوم لا يفهمه غيره، أهناك مشكل يجعلني أبدو كالشحات،

ينظر إلى الضفة الأخرى للطريق، يرى شخصا بربطة عنق جالسا على كرسي بحديقة، وحذاء جلدي مدبدب، شعر ذهبي اللون، يطيل بنظراته الفاحصة لجزئياته، لم يعجب بشكله، يرى فيه تصنعا مبالغا وابتعادا عن البساطة، يرى العابرين عليه يعطونه التحية

، بدون شعور يصيح صوت في أعماقه مستهزءا:” بما أن المارة يعطونه التحية سأحاول استلهام شخصيته”، يعدل جلسته، يحاول الإبقاء على رأسه مستقيما متجنبا إنحناء رقبته، ويقول:”شتان بين جلسة الكرسي بالحديقة وجلسة الرصيف”، ويستطرد قائلا في نفسه:”

لا يهم المكان فكم من مكان لا يطيق جالسه”، يبتسم بتعديل جلسته ينظر إلى رجليه بإعجاب، أصابع تحاول الانسلاخ عن أمشاط قدمه، أقدام باتساخها تغيرت ملامحها، تتحول البسمة في رمشة عين إلى عبسة، يقنع نفسه بمقولة أحد أساتذته “

يمكن أن نلبس أحذية العالم ونحن حفاة”، تعاد البشاشة إلى محياه، تقع نظرته على ربطة العنق، تلمس صدره يعترضه ثوب يكاد يظهر أضلعه، ينهض مستلهمه من مكانه، يتبعه بنظراته حتى يغيب عن أنظاره، ويظل سارحا بخياله يتخيل معشوقته نازلة من الأتوبيس ركاب يفسحون المجال لنزولها، ماكياج خفيف يخفي عيوب غير موجودة، وخصلات شعرها السوداء تتطاير حولها، ومحفظة صفراء بلون البلوزة

، وكعب عالي بنفس لون السروال الأزرق السماوي، وعلى صوت دراجة نارية بصوتها المزعج يستفيق من خياله، يتثاءب من ملل الانتظار ويده على خذه، يسمع صوت أتوبيس قادم يحاول التأكد من الأمر يجده في بداية الشارع، قلبه يخفق،

ويداه ترتجف، متأكد من استحالة نطقه، لكنه يقنع نفسه بأن نظرة واحدة قد تشفي غليله، يقترب حلمه من التحقق، ينهض حاملا محفظته، أتوبيس فارغ ستة أو سبعة ركاب،

يتحقق منهم قبل نزولهم يقترب أكثر فأكثر، تأكد من عدم وجود من يترقب، يعود لمكانه مؤجلا للقائه المنتظر، وهو يردد في نفسه :”سأنتظرك حتى قدوم الأتوبيس المقبل، سأذهب لأكمل منامي، فحبي لك فكرة والفكرة تنام ولا تموت”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى