على رصيف الحقيقة..بقلم د. محمد ضباشه

على رصيف الحقيقة
قصة قصيرة..بقلم د. محمد ضباشه
وجدتني فجأة وأنا في ربيع العمر قبل أن يحفر الزمن بصمات السنين على وجهي النحيل ، في ليلة من ليالي الصيف شديدة الحرارة وقبل أن تنتصف بساعة واحدة تقريبا احمل كرسي صغير وحقيبة بها أدوات الصيد ( سنارة ) متجها نحو ممر مائي ( ترعة )
تقسم بلدتنا إلى شطرين تجاه الشرق والغرب ، على الجانب الغربي من ذلك الممر شجرة عتيقة كبيرة الحجم تعود لمئات السنين يسمونها في بلدتنا التي تبعد عن الحياة ( جميزة) ، وضعت الكرسي في جانبها الأيمن وجلست على الشاطيء
، أخرجت أدواتي من داخل حقيبتي وأمسكت بقطعة البوص الطويلة المربوط في مقدمتها خيط رفيع قوي ينتهى بسنارة مصنوعة من المعدن صغيرة جدا لها حواف مدببة يعلوها جزء من ديدان صغيرة ( طعم ) مخصصة لصيد الأسماك من الممرات المائية العذبة التى تروي الأراضي الزراعية المحيطة ببلدتنا .
اشتعلت سيجارتي الوحيدة من بسمة جائعة تراقب وجه القمر الذي يتراقص أمامي على صفحة الماء، وصوت الضفادع تعزف ما يشبه سيمفونية لحن الخلود فتارة اراه وجه فتاة جميلة ذات ثغر باسم وعينان واسعتان تري فيهما شلالات من الدفئ والجاذبية
، وتارة أخري يتحول هذا الوجه في عيني إلي امرأة دميمة الوجه يقشعر منها البدن فأحاول ان ابتعد عن إمعان النظر فيها وأنا ألقي الخيط في وسط الماء .
مرت دقائق وبدأ الخيط يتحرك في الماء حتى كاد ان يجذب قطعة البوص من يدي فوقفت وجذبت الخيط بقوة إلى أعلى حتى استقر خلفي وفى نهايته سمكة كبيرة تتلوى هنا وهناك ، اسرعت بالتقاطها ووضعها في الحقيبة وعدت إلى مكاني اطعم آلة الصيد مرة أخرى .
هدأت أصوات الضفادع ، وبدأ وجه القمر يتحرك نحوي ببطئ ، القيت الخيط في الماء
وانتظرت ، مرت لحظات في صمت قاتل ، تحرك الخيط مرة أخرى فى الماء وعندما وقفت بسرعة لجذبه إلى الخارج شعرت بيد قوية تمسك يدي
وفي تلك اللحظة اختفى ضوء القمر وبات الليل حالك السواد ، وصوت اسمعه يقول لي اترك ابنتى وحرر ابنتي الأخري من سجنك هذا وأشارت إلى الحقيبة التي بها السمكة الكبيرة قمت بفتحها بسرعة
والقيتها في الماء وانا اهرول خوفا وفزعا تجاه منزلنا وفي منتصف الطريق نظرت خلفي واذا بها تلك المرأة التي رأيتها على سطح الماء تقف مكاني على الشاطئ ، لحظات ثم اختفت وسمعت صوت ارتطام على سطح الماء
، وعندما اقتربت من منزلي اغلقت شباك القطار المتجه إلى مدينة الإسكندرية ونظرت إلى ابنتي التي تجلس بجواري فنظرت لى
وقالت : المحطة القادمة سيدي جابر هيا بنا ، حملت حقيبتي ، اقتربنا من الباب لحظة وقوف القطار، نزلت إبنتي وهي مبتسمة للحياة ونزلت انا على رصيف الحقيقة وانا ما زلت خائف ……..