شعر و ادب

على مقصلة الذاكرة…..(عربية قدوري)

على مقصلة الذاكرة.....(عربية قدوري)

على مقصلة الذاكرة…..(عربية قدوري)

“قراءة وتحليل أدبي وفني وفق منهجية أكاديمية.”
الكاتبة : مرافئ الحنين
الناقد : ابراهيم ميزي

هيكل النص :
على مقصلة الذاكرة..
يا مواسمَ النسيان..
ألم يحن بعدُ موسمُ الحصاد؟
أم أن الزمنَ هو الآخر قد تغرّب،
فلم تتعرّف عليه الذاكرة؟
لقد عُثر على بقاياها مشتّتةً خلف أسوار المدينة،
تُخفي أثر إعدامٍ بالغِ القسوة.
وكيف لا؟
وصدأُ مقصلة التنفيذ يحاكي ألفَ موسمٍ وأكثر،
دون أن يلتفت له أحد،
دون أن تُعرف الهويّة.
كم كنتِ لئيمةً حينها،
نقشتِ الاعترافَ الأخيرَ بمهارةٍ وإتقان،
ذاك الذي تكرّر على لسان التحقيق،
حين حاولَتِ الحياةُ مصارعة طعناتِ قتلك.
وما تبقّى…
أصابه الفقدان،
شللٌ تام،
وذاكرةٌ عصماء،
أنسَتني مَن أكون.
فسمحتُ لمن يلتقط أنفاسي
أن يناديني: الغريب.
آآآهٍ… يا مواسمَ النسيان،
سأجعل منكِ عيداً،
أقفُ عند مراسمه كلَّ عام… عذراً، بل كلَّ سنة،
فالعامُ خير، والسنونُ عِجاف،
علّني أستمدّ من قساوة ذكراكِ قواي،
فما تبقّى لي سوى اسمك،
نبضك،
صوتك،
طيفك،
وكلُّ ما يخصّك…
عالِقٌ بطرف لساني،
بل وبكلِّ كياني.

بقلم : مرافئ الحنين
_____________________
وميض النص:
النص “على مقصلة الذاكرة” بقلم مرافئ الحنين هو نص نثري شعري يتسم بكثافة الرمزية وعُمق الشعور الوجودي، ينهل من معين الأسى الإنساني والخيبة والاغتراب. لإجراء قراءة وتحليل أدبي وفني وفق منهجية أكاديمية، سنستند إلى منهج القراءة البنيوية الرمزية، مع إشارات إلى المنهج النفسي والوجودي عند الحاجة، لما يحمله النص من دلالات شعورية باطنة، مع الحفاظ على البنية الجمالية للنص.
المقدمة :
المقدمة:
في زاويةٍ منسيةٍ من الزمن، حيثُ تتقاطعُ الطرقاتُ بين الحلم والخذلان، كانت الذاكرةُ تتدلّى من حبلٍ خفيّ، لا يعرفُ أحدٌ من نصبه، ولا متى بدأ الحكم.
هناك، على تخومِ الحنينِ الجارح، وبين ظلالِ المواسم التي خانت موعدها، جلستُ أراقبُ مشهد الإعدام البطيء لكلّ ما كنتُه…
كأنّ الزمان ارتدى قناع الغربة، وكأنّ الأيامَ أمسكت بيد النسيانِ وسلّمته مفاتيح الروح.
هي ذي الذاكرة، لا تموتُ دفعةً واحدة، بل تُذبحُ على مراحل، على مرأى منّا، ونحن نصفّقُ لها بانكسار.
فلتفتحوا الستار… فقد آن أوان العرض الكبير:
“على مقصلةِ الذاكرة…”
🔹 أولًا: العنوان ودلالاته
“على مقصلة الذاكرة”
العنوان يحمل تناقضًا دلاليًا: “المقصلة” أداة قتل، و”الذاكرة” أداة تذكّر وحياة. الجمع بينهما يُنتج مفارقة شديدة التوتر الدرامي.
يشير إلى محاكمة داخلية تتم في حيز الذهن، حيث تُقطع الذكريات المؤلمة على منصة الإدراك.
🔹 ثانيًا: الموضوع والثيمة المركزية
الموضوع:
صراع الذات مع الذكرى، وفقدان الهوية بسبب أحداث ماضية مؤلمة.
استدعاء مشاعر الاغتراب، القسوة، وخيانة الذاكرة.
الثيمة المركزية:
النسيان كخلاص، والذكرى كعقوبة.
الشاعر/الكاتب يحاور الزمن والذاكرة كموجودات رمزية، يجري محاكمة لها، ويسعى في الوقت نفسه لإيجاد هوية أو ترميم ذات متكسرة.
🔹 ثالثًا: الرموز والإيحاءات
الرمز / الصورة دلالته الفنية والمعنوية
مواسم النسيان توظيف زمني يوحي بالتكرار والدورة، لكن أيضًا بعدم تحقق النسيان رغم تعاقب المواسم.
مقصلة الذاكرة رمز للإعدام النفسي أو الانفعالي، لا للموت الجسدي، ويدل على العذاب المتكرر.
أسوار المدينة العزلة، الحدود بين الداخل/الخارج، الذات/الآخر. قد توحي بمركز حضاري لفظ الذات.
صدأ المقصلة تراكم القسوة وعدم المحاسبة، رمز لذاكرة متكلسة لم تُفتح ملفاتها بعد.
الاعتراف الأخير استعارة من مشهد الإعدام أو المحاكمة، ولكنه هنا اعتراف بالحزن أو الفقد.
ذاكرة عصماء مفارقة جميلة: الذاكرة التي لا تنطق، أو لم تَعُد تسعف صاحبها بمعرفة ذاته.
🔹 رابعًا: الأسلوب واللغة
اللغة الشعرية المكثفة: استعارات، تشخيص، صور حسّية.
أسلوب المناجاة والخطاب المباشر: “يا مواسم النسيان”، مما يمنح النص صبغة درامية.
التكرار المقصود: مثل “ما تبقّى”، و”كلّ ما يخصّك” لإبراز التشتت والارتكاز على الذكرى.
نغمة الأسى والغربة: السطر الأخير “أن يناديني: الغريب” يختزل حالة التيه الكلي.
🔹 خامسًا: التحليل النفسي والوجودي
النص ينطوي على أزمة هوية، تظهر من خلال استسلام الذات لوضع “الغريب”، ما يعكس حالة اغتراب عن الذات والعالم.
تقنيات التحليل النفسي تكشف عن جرح عميق لم يُلتئم، والذاكرة -بدل أن تكون ملاذًا- تحوّلت إلى أداة تعذيب.
البعد الوجودي في “فما تبقّى لي سوى…” يعكس تقشّفًا وجوديًا: ما تبقّى ليس مادة، بل أثر شعوري/صوتي لمن يحب.
🔹 سادسًا: الخاتمة والوظيفة التعبيرية
الخاتمة تتسم بالحسم العاطفي، لكنها لا تُنهي الدائرة، بل تترك النص مفتوحًا على استمرارية الألم.
وظيفة النص تتعدى التعبير إلى التطهير (Catharsis): تفريغ الألم، واستنطاق الذكرى بصوتٍ داخلي أقرب إلى الاعتراف.
🔹 سابعًا: في إطار تقييم فني شامل
المعيار التقييم
الأصالة والعمق مرتفع جدًا: ابتكار صور شعرية غير نمطية.
اللغة والأسلوب لغة عالية الرمزية، ذات طابع صوفي/وجودي أحيانًا.
الوحدة العضوية متماسكة: كل الصور تخدم فكرة الاغتراب وفقدان الهوية.
الجرس الموسيقي هادئ، داخلي، مناسب لطابع المناجاة.
الحمولة النفسية كثيفة، مرهفة، وتُشعر القارئ بحالة فقد وحنين مزمن.
📝 خلاصة
نص “على مقصلة الذاكرة” هو قطعة أدبية نثرية تحمل مواصفات القصيدة المنثورة في جماليتها، وتُعد نموذجًا دالًا على قدرة اللغة على نقل التجربة الشعورية المكثفة بوسائل رمزية وبنية درامية. يجمع بين الوجدان والرمز والفكر، ويصلح أن يكون مادة تحليلية خصبة في سياقات نقدية تتعلق بالهوية، الذاكرة، والاغتراب.

قراءة و تحليل: ابراهيم ميزي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى