مقالات

*فادي السمردلي يكتب: أين نحن من صراع المشاريع؟ سؤال العرب الغائب في زمن التحولات الكبرى* *بقلم فادي زواد السمردلي*

*فادي السمردلي يكتب: أين نحن من صراع المشاريع؟ سؤال العرب الغائب في زمن التحولات الكبرى* *بقلم فادي زواد السمردلي*

*فادي السمردلي يكتب: أين نحن من صراع المشاريع؟ سؤال العرب الغائب في زمن التحولات الكبرى*

*بقلم فادي زواد السمردلي*

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

في لحظة تاريخية فارقة تعيشها المنطقة، حيث تتحرك التحالفات، وتتغير خرائط النفوذ، وتُعاد صياغة المشهد الجيوسياسي بالكامل، يُطرح سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه في العمق سؤال مصيري أين نحن، نحن العرب، من صراع المشاريع؟

هذا السؤال لا يُقصد به فقط البعد الجغرافي أو العسكري أو السياسي، بل يتجاوز ذلك إلى العمق الثقافي والفكري والحضاري.فالعالم من حولنا يتحرك بمشاريع واضحة المعالم إيران تمضي في مشروعها الإقليمي بثبات عبر ما تسميه “محور المقاومة”، مستثمرة في حلفاء محليين وبيئات هشة حاليا، بينما تعمل إسرائيل على ترسيخ منظومتها الأمنية والاقتصادية عبر التفوق التكنولوجي والدعم الدولي، لتعيد رسم الإقليم وفق مقاساتها الخاصة وكلا المشروعين يتحركان بخطى استراتيجية محسوبة، لهما أهداف، أدوات، رؤية، وتحالفات.

في المقابل، يبدو الواقع العربي كأنه فراغ بين هذين المشروعين غيابٌ لا يمكن اختزاله في ضعف الإمكانات فقط، بل يعكس أزمة عميقة في الرؤية والقرار والوعي.فالمنطقة تُعاد صياغتها، والعرب في معظمهم – باستثناءات محدودة – إما غائبون تمامًا عن الفعل، أو حاضرون كمفعول بهم، كأوراق تفاوض، أو كساحات لتصفية الحسابات.

لقد أصبحنا نشهد تحولات ضخمة دون أن نملك أدوات المواكبة أو التأثير والأخطر أن هذا الغياب بات اعتياديًا، مألوفًا، لا يُسائل، وكأننا قد تخلّينا طوعًا عن دورنا الطبيعي في صياغة مصير منطقتنا.
إن الأزمات الداخلية، من انقسامات سياسية إلى تراجع اقتصادي إلى خطاب إعلامي مفكك، كلّها جعلت من العالم العربي كيانًا مشتتًا يفتقد لحد أدنى من التماسك والتوجه المشترك.

لكن لنكن أكثر دقة وصدقًا مع أنفسنا فالمسألة ليست في غياب “المشروع العربي” فقط، بل في غياب الإرادة لتشكيله ولقد فشلت القوى العربية الكبرى في بلورة رؤية جامعة، وتحول مفهوم “العمل العربي المشترك” إلى مفردة بروتوكولية لا تتجاوز الورق والنتيجة أننا نعيش في عصر تتصارع فيه المشاريع الكبرى على النفوذ، فيما نحن نخوض معارك إعلامية صغيرة، وننتظر نتائج معارك لسنا أطرافًا فيها.

وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإننا لا نخاطر فقط بموقعنا السياسي أو الاقتصادي، بل بوجودنا الثقافي والهوياتي أيضًا فمن لا يملك مشروعًا يصبح جزءًا من مشاريع الآخرين ومن لا يحدد أهدافه، تتحول أرضه وشعبه إلى أدوات في خدمة أهداف غيره.

في هذا السياق، لا بد أن نسأل بصدق.ما المطلوب؟
المطلوب ليس شعارات، بل مشروع نهضوي واقعي مشروع يبدأ من الإنسان العربي – من وعيه، من تعليمه، من إحساسه بالكرامة والانتماء.مشروع يعيد بناء الدولة الحديثة بمؤسسات فعّالة، لا بأجهزة متهالكة مشروع يضع المصالح الوطنية والقومية فوق الاعتبارات الفئوية والارتهانات الخارجية.

نريد مشروعًا يفكر بمستقبل الطاقة والغذاء والتعليم والتكنولوجيا ،مشروعًا يبني تحالفات إقليمية على أساس المصالح المتبادلة لا الولاءات الأيديولوجية نريد مشروعًا يقول بوضوح: نحن هنا، وهذا هو شكل المنطقة الذي نراه، وهذه هي مصالح شعوبنا.

قد تكون التحولات التي نمر بها قاسية، وقد تكون كلفة اللحظة التاريخية باهظة، لكنها تحمل في طيّاتها فرصة نادرة، فرصة لإعادة التوازن، لاستعادة الوعي، لخلق سردية عربية جديدة لا تعتمد على ذاكرة الماضي فقط، بل على قراءة واعية للحاضر واستشراف ذكي للمستقبل.

وفي النهاية، لا يمكن أن نطالب باحترام العالم لنا، ما لم نبدأ نحن باحترام ذواتنا، وتقدير قيمة مشروعنا، وصياغة هويتنا على أسس متينة.

فالتاريخ لا يرحم الغائبين، ولا يُذكر المترددين، ولا يخلّد أولئك الذين يكتفون بالمشاهدة. التاريخ يكتبه الفاعلون.

فلنكن منهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى