مقالات

فتح مكة: الفتح الأعظم وتحقيق الوعد الإلهي

فتح مكة: الفتح الأعظم وتحقيق الوعد الإلهي

فتح مكة: الفتح الأعظم وتحقيق الوعد الإلهي

 

بقلم: [ أشرف ماهر ضلع]

 

في العاشر من رمضان في السنة الثامنة للهجرة، كان التاريخ على موعد مع حدث غيّر مجرى الإسلام، ورسّخ قيم العدل والتسامح، إنه فتح مكة، اليوم الذي عاد فيه النبي ﷺ إلى موطنه الأول، ظافرًا منصورًا، بعد سنوات من الصبر والاضطهاد والهجرة.

 

المشهد العظيم: جيش الرحمة لا جيش الانتقام

 

لم يكن فتح مكة مجرد انتصار عسكري، بل كان فتحًا للقلوب والعقول، وانتصارًا للقيم والمبادئ التي حملها الإسلام منذ بزوغ فجره. دخل النبي ﷺ مكة ومعه عشرة آلاف من الصحابة، جيشٌ لم يأتِ ليحطم أو يدمر، بل جاء يحمل السلام والرحمة. لم تُسمع صرخة انتقام، ولم تُرفع سيوف الثأر، بل كان الشعار الذي تردّد على الألسنة: “اليوم يوم المرحمة”.

 

وعندما وقف رسول الله ﷺ أمام أهل مكة، وهم الذين طردوه وآذوه وحاربوه، خاطبهم بما لا يخطر على بال زعيم منتصر: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. كلمات خالدة اختزلت معاني التسامح، وارتقت بالإنسانية إلى أعلى درجاتها، فكانت درسًا بليغًا في العفو عند المقدرة.

 

تطهير الكعبة وإعلان التوحيد

 

دخل النبي ﷺ المسجد الحرام، واتجه نحو الكعبة، تلك البقعة الطاهرة التي لطالما دنسها المشركون بالأصنام والأوثان، وأمر بتحطيمها وهو يردد: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: 81). تهشمت الأصنام تحت ضربات الحق، وسقطت معها رموز الوثنية، ليعلن الإسلام سيادته على أرض التوحيد.

 

الفتح الأعظم: نصر بلا دماء

 

رغم عظمة الحدث، لم يُسفك دمٌ، ولم تُنتهك حرمة، ولم يُفرض الإسلام على أحد بالقوة، بل كانت الرحمة شعار الفتح، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، حين رأوا العفو والعدل بأعينهم، لا بالسيف ولا بالإكراه.

 

دروس وعِبر من فتح مكة

 

الرحمة عند النصر: الإسلام لا يعرف الانتقام، بل يدعو إلى التسامح حتى مع أشد الأعداء.

 

الوفاء بالعهود: فتح مكة جاء بعد نقض قريش للصلح، مما يؤكد أن المسلمين لم يكونوا البادئين بالعدوان.

 

التخطيط والحكمة: لم يكن الفتح عملاً عشوائيًا، بل خطط له النبي ﷺ بحنكة عسكرية وسياسية فريدة.

 

نهاية عهد الوثنية: فتح مكة كان إعلانًا لانتهاء عبادة الأصنام، وإعلاءً للتوحيد.

 

كان فتح مكة فتحًا للقلوب قبل أن يكون فتحًا للمدينة، وكان إعلانًا لانتصار القيم النبيلة قبل أن يكون انتصارًا عسكريًا. إنه الدرس الأبدي لكل أمة تسعى للنهضة: أن النصر الحقيقي لا يكون بالقوة وحدها، بل بالعدل والرحمة والتسامح.

 

وهكذا سُطرت صفحة ناصعة في تاريخ البشرية، صفحة كتبها محمدٌ ﷺ بسيف العدل لا بسيف القهر، وبكلمات العفو لا بلغة الانتقام، فكان فتح مكة أعظم انتصار حققه التاريخ في دروب الإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى