شعر و ادب

قتيل البحر.. بقلم/ هشام صفوت

قتيل البحر

بقلم/ هشام صفوت

كان أحمد محبًا للبحر بشكل كبير، بل كان مهووسًا به، تعلم السباحة واحترفها، وأحب الغوص وتعلمه، فقد كان مبهورًا بالحياة البحرية وحيواناتها، لدرجة انه اشترى الكثير من الكتب التي تتحدث عن تلك الحياة.

ولكن لم يعد الأمر كذلك الآن، فقد بدأ يهرب منه، بل ورحل عن مدينته الساحلية، ليبتعد عن رؤيته أمامه، ورحل حيث العاصمة الواسعة المزدحمة، وحصل على رفقاء جدد.

وفي إحدى ليالي الصيف الجميلة، اقترح أحد الأصدقاء برحلة إلى الأسكندرية حيث البحر وأمواجه وسحر اسكندرية، الذي لا يضاهيه سحر.

ولكن بمجرد أن سمع أحمد اقتراح صديقه هب متعصبًا، يغلب عليه التوتر، رافضًا الإقتراح، فقال صديقه..

” انت متعصب ليه طب اهدى وفهمني، لو مش حابب اسكندرية خلاص كل واحد يقترح مكان ونعمل قرعة..”

ولكن الغريب أنه قد زادت عصبية أحمد، وظل أصدقاءه ينظرون إلى بعضهم البعض، لا يفهمون ماذا حدث له، فلم يعتادوا عليه بتلك العصبية، فقد كان يتسم بطبعه الهادئ وابتسامته الهادئة الجميلة.

ظلوا ينظرون إلى بعضهم البعض، حتى هب أحدهم وأقربهم إلى أحمد، قائلًا له..

” تعالي يا أحمد نقعد في البلاكونة شوية ”

هب أحمد واقفًا ، وذهب مع صديقه، والذي سأله: ” مالك ليه العصبية دي كلها انت في حاجة مخبيها عني؟”

نظر أحمد إلى صديقه في شرود وحدث نفسه قائلًا

نعم هناك ما أخفيه عنك يا صديقي، فلم أتمكن من العودة إلى البحر منذ تلك الحادثة، كنت أحب البحر بشكل كبير، فقد كنت سباحًا ماهرًا بحق، ولكن على الرغم من ذلك لم أتمكن من إنقاذه، فقد انتشله البحر من حضني، وسحبه من بين ذراعي وصار قتيل البحر..

قصة تتكرر دومًا، عندما يقرر البحر أن يقتص من إهمالنا له، وتعاملنا معه بإهانة، فيأخذ روح غالي منَّا، وهذا ما حدث..

لييقظه صديقه من توهانه، ” هااي مالك يابني روحت فين؟”

ليرد أحمد بحسم شديد ” مش هاروح بحر مش هاروح بحر، روحوا انتوا لو عايزين، أنا فقدت أخويا في البحر وماقدرتش أنقذه مش هاروح ياعمر مش هاروح”

لينظر إليه عمر في شفقة وحزن ” ربنا يرحمه ياصاحبي، ليه ماقولتليش قبل كده، بس خليني أقولك حاجة، طريقتك مش هاترجعه، روح البحر وحس كأن روحه بتحضنك مع حضنك للمية، اشتغل في إنقاذ الناس من الغرق وخد دورات كتير يتعرفك ازاي تقدر تقدم ده، لكن ما تقولش مش هاروح وتستسلم بالشكل ده، صدقني يا صاحبي ده مش حل، أنقذ أطفال غيره وكفايا إحساس بالذنب، لأنه مش هايرجع ال راح وفي الأول والآخر ده عمر.”

أصابت كلمات عمر عقله الملكوم، وبدأت لمحة أمل تشتعل بداخل فكره، حقًا، لما لم أفكر في أن أقوم بإنقاذ الأطفال الذين قد يتعرضون إلى مثل تلك التجربة.

وبالفعل بدأ أحمد في أخذ دورات وتدريبات لإنقاذ الغارقين، وعمل بأحد الشواطئ، لتبدأ مهامًا جديدة في رحلة إنقاذ بشرية من غدر البحر العميق..

تمت..

كتبها/ هشام صفوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى