Uncategorized

قراءة في فلم don’t look up

 

قد تكون صورة مقربة لـ ‏شخص واحد‏

المخرج محمد شامية
ان كانت قيمة اي عمل فني تُستمد من شدة حساسية ومدى اهمية القضية المعاصرة التي يطرحها، ومن نزاهة الاسباب الكامنة وراء ولادته، فنحن امام عمل قيم ومهم جداً، بمعزل عن اي عنصر جمالي ساهم بطريقة او باخرى في هيكلة المقولة الاساس بشكله الابداعي الذي شاهدناه به، انه العمل الذي لا يجب ان تناقش به اداء الاساطير الغني عن التعريف والتقييم من الممثلين الذين اجتمعوا به، كديكابريو وستريب وهيل وسواهم كما يجب ان تناقش ما وضعه على الطاولة امامنا من تعرية لنظام حياتنا اليومي الخلبي، ذاك الذي تورطنا به وبات اقتلاعه او مجرد تغييره أصعب بكثير من حرماننا المأكل والمشرب، العمل أشبه بصفعة قوية مباغتة على مؤخرة الرأس، على أمل حث المتابع على ردم تلك الهوة الحاصلة بينه وبين المغزى من كونه انسانا، انساناً يدرك ويتأثر بشكل سليم كي يخلق تاثير مضاد ناجع امام الازمات بما يحفظ الصالح العام، وقد يلجأ العمل احيانا الى المباشرة، لكنه يوظفها بدقة لابقاء وقع الصدمة قوياً، بوصفه عملاً منحازاً للأثر المراد تركه بنفس المشاهد، وهذا حس عال بالمسؤولية تجاه الموضوع، رغم محاولته احتواء الرتابة الناتجة عن ذلك من خلال تطعيم العمل بجرعة كوميدية متزنة لا تنتقص من هيبته .
هل هو عصر استهلاك الحدث في ملصق ساخر لفتاً للانتباه في مواقع التواصل الاجتماعي مهما بلغ من الاهمية بغية اجترار الاهتمام او التربح السريع ! .. عصر لا تتصدر به اي معطيات الواجهة مهما كانت لحوحة، الا اذا كانت دعامة في حملة مرشح رئاسي، او وأداُ لفضيحة من العيار الثقيل، وفوق كل ذلك ستجد نفسك امام مسرحية هزلية، ابطالها الساسة وذراعهم العسكري، وكتابها خوارزميات وعقول رجال الاعمال من اصحاب شركات الذكاء الصناعي والاتصالات والبنوك والبترول وسواهم ..
ستة اشهر و أربعة عشر يوما تفصل البشرية عن ميعاد الانقراض، بعد التنبؤ بحسابات رياضية لا تقبل الشك بضربة مذنب من قبل مركز الابحاث الفلكي، وكل ما يفعله اصحاب القرار هو اللامبالاة ! .. كيف يمكن لخصلة اللامبالاة ان تتاصل في سلوكيات النسيج البشري حد التيه عن اكثر الاولويات بداهة كمواجهة خطر الانقراض الجماعي! .. ليغدو ذاك الجانب الغير ناضج حاضرا حتى في اكثر مراكز صنع القرار تاثيرا، كالبيت الابيض الذي استقبل الخبر بشقيه العسكري والسياسي، وتعاطى معه وكانه مبالغة لثلة من المراهقين تدعي مشاهدات خارقة للطبيعة لا يمكن الاستدلال عليها باي ثابت علمي، يهرع ابطال الفيلم ليثيرو زوبعة صحفية حول الامر، متجاهلين توصيات البيت الابيض عن ترك الامر سرياً، بعد ان خذلوا بكيفية تعاطيهم مع معه ظنا منهم ان ذلك سيكون ورقة ضغط لاجبارهم على الانصات واخذ الامر بجدية أكثر، ليصدموا بالاعلام الغارق بالسخافات واللامبالاة أيضا الى حد لا يقل ماساوية عما صادفوه هناك، حيث خبر انفصال مغنية مشهورة عن حبيبها ورغبة الجماهير لعودتهم لبعضهما البعض، تفوق اهمية مواجهة الفناء البشري الوشيك !!!
نعم ! .. بتنا نتعامل مع الحقائق والأكاذيب والمثبت والزائف واللحوح والتافه بمنطق واحد، طالما يقدمها الاعلام ووسائل التواصل لنا بشكل جاذب وشيق ومعد ليكون بصلبه استرضائيا بامتياز، وبالمقدار الذي يمنحها إياه من مساحة الظهور لكن .. هل كان ذلك التبليد والتسطيح للوعي الانساني عبثيا ؟ .. اعتقد ان العمل برمته يدور حول هذا بدليل استخدامه اسماء جهات محددة في نهاية العمل .. ويقدم اجابة عملية عن هذا التساؤل الصادم بموجب خطورة تبعات تجاهله .. حسنا وان لم يكن ذلك عبثا فمن يقف وراء كل ذلك ؟! .. انهم ٱلهتك الجدد من رجال اعمال واصحاب شركات التكنولوجيا العملاقة التي تعرف عنك اكثر منك، وتعدل مفاهيمك حول اللازم والثانوي من خلال تغذية غرائزك، واسترضائها بما يؤدي لتوجيهك نحو ما هم يريدونه منك، وايهامك بانك حقا من يختار وجهته وتوجهاته، ستجد بان هناك قواعد صارمة ومهنية دائما لكيفية قول الحقيقة في هذا العالم الذي باتوا يحكمونه، تجعل تلك القواعد من الحقيقة ذاتها فارغة لا معنى لها، فتمر بك كما ينفذ الضوء في الفراغ، وللكذب كيفية يقال بها، تجعل منه بديلا ناجعا عن الحقيقة طالما انه سيحافظ على سير الامور كما تقر دراسات هؤلاء الاقتصادية لادارة ثرواتهم والحفاظ عليها، أولئك الذين يملكون سيناريوهات بديلة واحتياطية لأسوأ الاحتمالات لكي يكون ضحيتها فقط انا وانت .. والناجي الوحيد كل من يتلاعب بنا خلف الكواليس طيلة الوقت .
ـ لمسات ابداعية كبيرة على مستوى الاخراج، وخاصة مشاهد الدخول الى البيت الأبيض، والتركيز على لوحة الهندي الاحمر في ردهة الانتظار امام مكتب رئيسة الولايات المتحدة الامريكية اذ يليها مباشرة ترنيمة احتفالية لعيد مولد احد مساعدي الرئيسة، ترددها الحاشية وكان المخرج يذكر بالاساس العنصري القائم على الابادة للتاريخ الامريكي الذي كان شرطا لقيام تلك الدولة، ويرجئ إليه حالة التبلد العاطفي المتوارث لدى ساستهم، حتى وان كان من يحكمهم امراة يفترض انها عاطفية بالفطرة، كما يلي ذلك مشهد من داخل المكتب مليئ باللقطات القريبة للغة الجسد، واللوحات والصور ضمن المكتب وما ترمز له كل واحدة من حدث تاريخي صارخ، كالتركيز على صورة بل كلينتون وزوجته تزامنا مع الحديث حول التوقيت السيء لاشاعة خبر اصطدام المذنب قبل اسابيع من انتهاء الانتخابات في اشارة إلى فضيحة لوينسكي، وما تكشفه من استهتار وشخصنة في مركز حساس كهذا، والتنويه عن عدم الاهلية الاخلاقية لغالبيتهم لكي يتورطوا بفضائح جنسية .
ـ رغم الاداء الجميل الذي عودنا عليه ديكابريو والذي لم يخذلنا حتى فلمه الاحدث هذا، الا ان هنالك خلل واضح في محاولة اظهاره عالما في عقده الخامس على الاقل ! .. اذ يبدو اصغر من ذلك بشكل ملحوظ، وحتى ابنائه الشابين العشرينيين يكادان يبدوان وكأنهما اصدقائه لا أبنائه ! .. فهل هي ملامح ديكابريو التي تميل للطفولة ولا يمكن لاي مكياج سينمائي اظهارها باكثر من ذلك !

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى