شعر و ادب

قصة المحطّة

قصة المحطّة

قصة المحطّة

بقلم رغد ميسر السروجي

ثمّ وصلتُ إلى المحطّةِ، حملتُ أمتعتي غيرَ مباليةٍ بحجمها.. لم يحن موعد القطار بعد؛ فوقفت أتأمّل من حولي، كلّ شيء جميل!
الطّفل يركضُ، والفتاة تضحكُ، والشّاب يتوق إلى لقيا من أحبَّ، ومسنًّا يتمتمُ إلى اللّه بكلّ حبٍّ..
المكانُ واحدٌ والزّمان واحدٌ، والانتظار واحد، والكراسيّ ملأى، إلّا كرسيًّا واحدًا، وأنا يقتلني المكوث بُرهةً في مكان ما، إلّا في القطار القادم مهما سأطيل فيه الوقوف؛ فأوقفتني الحياة الّتي تحيا بداخلي على الرّصيف، أترقّب معها بكلّ شغفٍ حياةً أخرى طالما كنت أتوق إليها في تلك الرّحلة.
ويطولُ الانتظار، تؤلمني كتفي، يتساقط مطرٌ غزير، ولا مظلّة تظلّني، ولا أقدر أخذها من الحقيبة الّتي ابتلّت.
قدماي ما عادت قادرتان على الوقوف، ويداي بدأت ترتجف، والبرد ههنا قارس.
تأملت في الأفق، أتساءل: “ألم يحن موعد القطار بعد؟!”
اشتدّت العاصفةُ، وهرع الجميع إلى الداخل إلّا واحدًا، لا يبالون إن أتى القطار؛ تساءلت: ” أين صدق انتظارهم؟! ألا يليق بموعد الأمل المنتظر استقبالًا ينبئ بتفانينا أنّنا نليق به!”
ثمّ أسمع صوتَه، قادمًا من مكانٍ آخر؛ فتركتُ مكاني المقدّس بأحلامي ومشاهداتي، حملتُ ما جرى بحالي وحقيبتي، ولحقتُ.. بالصّوت العالي.
ثمّ نظرتُ.. لا أحد يبالي!
الطّفل يبكي، والفتاة خائفة، والشّاب مكسور قلبه..
المكان واحدٌ، و الزمان واحدٌ، والانتظار واحد، والكراسيّ ملأى إلّا كرسيًّا واحدًا، وأنا بات يقتلني تأخّر القطار.
جلست على الكرسيّ برهةً، نظرت من حولي لم أجد أحدًا! فعدت أدراجي إلى مكاني الأوّل مسرعةً، إلى حيث كنت أحمل كلّ أمتعتي بما فيها شغفي وأحلامي!
لم أجد إلّا امرأً واحدًا، ولم أجد أمتعتي، حتّى القطار المنتظر رحل..
إلّا كرسيًّا واحدًا..
كان قدرًا ينتظرني مرةً أخرى على غير موعد؛ ليخبرني أنّ بعض المكوث رحمةٌ لرحمةٍ في قطار آخرَ لاشكّ قادمة، أنطلق بالحياة الّتي بقيت معي..
بداخلي..
والمسنّ الّذي بقي..
يتمتم إلى اللّه بكل حب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى