مشكلات الأسرة والصمت الزوجي

مشكلات الأسرة والصمت الزوجي
:
اعداددكتورة هاجر سامي
مشكلة الصمت الزوجي ومرحلة السكتة الزوجية:
العلاقة الزوجية من أسمى العلاقات الانسانية فعليها يقوم بناء مجتمع بأكمله وبمدى التواصل بين الزوجين، وصحته ونجاحه تقاس نسبة النجاح والفشل لهذه العلاقة ولا يعني أن العلاقة ستظل دائماً وأبداً تحمل هذه المثالية الرائعة، ولكنها حتماً تصاب ببعض الشوائب التي تلون نقائها وصفائها، ولكن حينما يتوقف أحد الزوجين عن أداء دوره الإيجابي ويصاب بالإهمال والسلبية يتأثر الطرف الآخر مع مرور الوقت نتيجة برود المشاعر التي يجدها لدى شريكه .
ومع التغيرات الاجتماعية التي طرأت على العالم العربي ومع انتشار ثقافة العولمة، ومع الانفتاح على العالم الخارجي ومع الزخم الإعلامي الغربي الوافد تغيرت هذه المعتقدات والثوابت وحلت ثقافة المادة والفردية والمصلحة والعلاقات بين الأفراد في الأنهيار والتفكك وخاصة العلاقة الزوجية، والتي تشير الإحصاءات إلى ارتفاع رهيب في معدلات فشلها وانهيارها بالطلاق، ولذلك تعتبر ظاهرة الصمت الزوجي من أخطر الظواهر التي تفشت في الأسر العربية وتعتبر مسماراً في نعش الحياة الزوجية بما تحمله من دلالة على فتور العلاقة وخفوت الحب وانحراف العلاقة عن أسسها ، ولذلك كان رأي علماء النفس أن الإنسان الذي يعبر عن نفسه وذاته يتمتع بصحة نفسية أفضل من الذي يكبت مشاعره ويسجن أفكاره.
أما على المستوى الاجتماعي فواضح أن المجتمعات التي يعبر فيها الأفراد عن أرائهم في مختلف الميادين سياسياً ودينياً وفكرياً وعلمياً تكون حركته العلمية أقوى وإمكانية تقدمه أفضل حيث يطرح أصحاب الرأي آرائهم وأفكارهم، فتتبلور وتتلاقى الآراء والأفكار وندفع بعجلة التقدم.
والحياة الزوجية مشاركة وحوار دائم بين الطرفين وحياة متواصلة في الأحزان والأفراح وكافة تفاصيل الحياة، والحوار فيها أحد أعمدتها وركن هام من أركانها فالحوار هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الأفكار وفي ظل الحوار يعبرون عن مشاعرهم الإيجابية فتحدث الألفة ويزدهر الحب ، كما يعبرون عن مشاعرهم السلبية فيكون التنفيس والعداوة وترميم الشقوق فيقوى البناء وتصلب الأعمدة وفي ظل الحوار يكون التعبير عن الاحتياجات سواء كانت نفسية أو عاطفية أو مادية فيكون الإشباع إذا وجدت احتراماً وتجاوب مع الطرف الآخر، ويكون التفهم الجيد للطرف الآخر تفهم لأفكاره ومشاعره واحتياجاته.
ولكن مع وجود الصمت يصبح الإنسان غامضاً غير مفهوم، لا يعلم الطرف الآخر ما يرضيه وما يعوضه فكيف يسعده ولا يجول في عقله فكيف يتفاهم معه ولا يعلم طموحاته وأهدافه فكيف يشاركه، ولا يعلم احباطه فكيف يضمد جراحه وهذا التفكك لا يقتصر أثره على الزوجين فقط بل يتعدى إلى الأبناء لافتقادهم لحنان الأم ومودة الأب ولرحمة الأسرة وسكينة الاستقرار ويؤثر هذا الصمت على نموهم النفسي والعاطفي والاجتماعي لأنهم سيتعاملون مع شخصيتين منفصلتين لكل منهما أسلوبه في التربية والتوجيه .
ومع استقرار الصمت شيئاً فشيئاً يشعر كل فرد في الأسرة أنه يعيش مع إنسان غريب عنه، كل منهم في جزيرة منعزلة كل ما يجمعهما بحر متلاطم الأمواج فيموت الحب وتنتهي الألفة وتصبح الحياة الزوجية سجناً رهيباً يطبق على أنفاس من فيه حيث يخيم الصمت القاتل على البيت فيتحول إلى شيء كئيب خانق لا يطاق وهو ما يطلق عليه الطلاق العاطفي .
الصمت بين الزوجين مشكلة تعاني منها العديد من الأسر وهي مؤشر على أن العلاقة بين الزوجين تقترب من الجمود، لذا فهي خطر يهدد الحياة الزوجية، إذ يعقبها انفجار أو انهيار وأحياناً انفصال والصمت يصيب الرجال أكثر من النساء ، لأن النساء بطبيعتهن لا يستطيعن الصمت وإن كان الاجتماعيون يرون أن الصمت في الأصل كان من سمات الزوجة وخصوصاً في المجتمعات الريفية والبدوية، حيث نجد أن الزوج هو سيد البيت وإذا تحدث فهو صاحب الكلمة الأخيرة ، والطاعة تكون على الزوجة والأولاد، ولكن مع تطور الحياة، ووصول وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية إلى مختلف المجتمعات تناقصت هذه الصورة تدريجياً، وأصبحنا نرى اليوم أن الزوج هو الذي يتحلى بالصمت في كثير من الأحيان .
والخرس في الحياة الزوجية مرض قاتل وداء فتاك ، ويقضي على الأسس والأصول التي ينبغي أن نبني عليها الحياة الزوجية، كمل يبعث على مشاعر اليأس لدى كثير من السيدات ويترتب على الصمت الذي تغرق فيه العلاقة الزوجية حدوث أزمة حقيقية يترتب عليها مشاكل صحية ونفسية واجتماعية، ويتأثر به الأولاد تأثراً مباشر فلا يعرفون فن الحوار ولا يجيدون فن الاتصال والتواصل بين الناس .
وتختلف الأسباب المؤدية للصمت الزوجي باختلاف الأشخاص وطبيعة العلاقة بين الزوجين، فقد يكون سببه عدم الصراحة والوضوح بين الطرفين أو قد يرجع إلى الروتين في العلاقة الزوجية، ويحلل الخبراء النفسيون الصمت بين الأزواج بأنه نوع من زهد أحدهما من الآخر، ذلك أن امتلاك الشيء يؤدي إلى الزهد فيه.
وأسباب الصمت عديدة منها:
عامل التنشئة : فقد ينشأ الزوجان في بيت يعاني من هذا المرض فيتوارثانه ولا يستطيعان التخلص منه.
انعدام الكفاءة بين الزوجين : فقد تختلف ثقافة واهتمامات كل منهما عن الآخر لعامل السن أو التعليم أو التربية فلا يستطيعان التواصل.
بعض السلوكيات المنفرة من أحد الزوجين : فالسلوكيات والتصرفات المنفرة من أحد الزوجين قد تدفع الطرف الآخر إلى تجنب الحديث معه إيثاراً السلامة وبعداً عن الشقاق والخلاف.
عدم استماع الزوج إلى زوجته وعدم استماعها إليه، إضافة إلى عدم اهتمام كل منهما بمشاعر الآخر.
ضغوط الحياة الاقتصادية وكثر الأعباء والمسئوليات قد تجعل أحد الزوجين ينصرف عن الآخر.
التكبر والتعالي من أحد الزوجين: فقد يتكبر أحد الزوجين ويتعالى على الآخر وينظر وينظر إليه بازدراء فيضطر الطرف الآخر للإنصراف عنه، أو قد يفهم بعض الرجال مفهوم القوامة على غير وجهها الصحيح فيظن أن القوامة تعالياً على الزوجة ووضع الفواصل بينه وبينها .
كما أن هناك أسباب عديدة تتعلق بمرض الخرس في الحياة الزوجية منها أسباب تتعلق بالفرد نفسه، ومنها ما يتعلق بالعلاقة بينهما بالمجتمع .
– أسباب تتعلق بالفرد نفسه:
أن أي سلوك يتبناه الإنسان ما هو إلا حركة تعبيرية تصدر كاستجابة لمثيرها وتتحكم فيها مجموعة من الخبرات المكتسبة، وهي رد لفعل معين وفقاً لخبرات الفرد المرتبطة بالفعل، ويجب أن ننظر إلى الصمت الزوجي على أنه رد فعل واستجتابة لمثير ما وفقاً لخبرة سلوكية تحكمت في توجيه الدافعية لاتخاذ قرار هذا السلوك، ولذلك تختلف أسبابه تبعاً لاختلاف هذه الخبرة السلوكية.
فقد يكون الصمت نتيجة اعتقادات ومفاهيم وخبرات يحملها الفرد وتؤثر في سلوكه نتيجة عادات وثقافات اجتماعية أو مفاهيم دينية سلبية أو خبرات اكتسبها من المجتمع المحيط به.
– مفاهيم سلبية خاصة لدى الزوج: اعتقاد الزوج أن :
– الصمت هو الأفضل لأن الصمت حكمة والسكوت من ذهب.
– الكلام يكون في أول الزواج فقط أما بعد فلا.
– أنه قد أدى كل واجباته طالما أنه أدى وجباته المالية من حيث السعي والعمل والانفاق .
– الزوجة بطبعها كثيرة الثرثرة فمن الأفضل عدم اعطائها فرصة للتحدث والعمل على إيقافها عند اللزوم.
– أنها مسئولية الزوجة أن تبادرلتحادث زوجها وتؤمن له الراحة النفسية.
– الزوج أن المرأة لا تقدر على كتمان السر ، فهي دائمة الحديث مع الجميع دون تمييز.
– هذا الأسلوب الأمثل للتعامل مع المرأة ، وخاصة إن كانت الأسرة التي تربى فيها تتبنى هذا الأسلوب.
– بعض الرجل يترددون كثيراً في الحديث عن أنفسهم وهمومهم لخشيتهم التعرض للانتقاد أو الكشف عن نقاط ضعفهم لزوجاتهم.
– الرغبة في اخفاء حقيقة معينة كدخل الزوج المالي ومشكلات العمل ومشاريعه المستقبلية.
– تصور الرجل عن المرأة بأنها في مستوى أدنى، وبالتالي لا يجد مبرراً للتحاور معها فهو يريدها لخدمته وقتما يريد.
– عدم الثقة بقدرتها على إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاته .
– الاستهانة بشكوى الزوجة على اعتبار أن الزوجات كلهن نكديات.
– يفترض الزوج أن زوجته ستتفهم انشغاله في عمله وضيق وقته .
– مفاهيم سلبية خاصة لدى الزوجة.
– المرأة تعد الزواج في حد ذاته هدفاً تسعى لتحقيقه ، وتوجه اهتمامه إلى البيت والأولاد وتهمل ذاتها ومظهرها.
– أن تعتقد الزوجة أن تصرفات وردود فعل زوجها لابد أن تكون كما تتوقع .
– أن تعاند أراء زوجها لاعتقادها أن الرجل لا يأتي إلا بهذه الطريقة .
– اعتقاد أن الزوج عندما يصمت إنما يعبر عن غضبه عليها وعن فتور الحب بينهما .
– الفهم الخاطئ للمفاهيم الإسلامية الخاصة بالمرأة مثل مفهوم الطاعة ومفهوم الاشباع الجنسي، مفهوم ارضاء الزوج متجاهلة احتياجاتها ورغباتها .
2- قد يكون الصمت نتيجة تكوين الشخصية وتاريخها الأسري .
فهناك شخصيات تفضل الصمت بطبعها، وهناك شخصيات تدفع الطرف الآخر للصمت فالشخصية الانطوائية والتي تتسم بعدم القدرة على إيجاد العلاقات الناجحة مع من حولها، الشخصية التشاؤمية : والتي تنظر للمواقف بمنظار أسود، فلا ترى إلا الجانب المظلم من العلاقة الشخصية الأنانية : والني تركز على ذاتها واشباع رغباتها الشخصية دون حساب للآخر، الشخصية النرجسية : والتي تتسم بالمبالغة في حب الذات وابراز شخصيته بطريقة مميزة ، الشخصية العدوانية المضطربة : والتي تتبنى سياسة الهجوم أقرب وسيلة للدفاع مما يؤدي لصمت الطرف الآخر ايثاراً للسلامة.
3- معاناة أحد الطرفين من الاكتئاب والذي من أهم أعراضه الصمت .
لت .
4- قد يعبر الصمت عن عدم قدرة أحد الطرفين أو كلاهما على إدارة حوار ناجح وفعال حيث يتم استخدام ألفاظ قاسية في الحوار مما يولد ردة فعل عكسية، حيث تسود اللغة الهجومية في مناخ الحديث الزوجي فالعصبية والسخرية والاستهزاء والصوت العالي والاتهام، النقد واللوم وعدم الانصات، إدعاء المعرفة بالموضوع كلها مهلكات للحوار الزوجي .
5- اتخاذ أحد الطرفين الموقف السلبي الصامت اعتقاداً منه أن يرضي الآخر .
6- عدم اختيار التوقيت المناسب لبدء الحوار.
7- عدم فهم النفس وحاجاتها أو عدم القدرة على التعبير عن المشاعر والاحتياجات والأفكار بلغة غير مباشرة وغير واضحة.
8- العدوان السلبي لأحد الطرفين مما يؤدي إلى ما يسمى (صمت العناد والتجاهل فهو إعلان عن العصيان) .
9- الخلافات التي نشأت مع الزمن ولم تحل بين الطرفين، وبقيت تترسب في نفس أحد الزوجين حتى أصبح الصمت نوعاً من العقاب يطبقه تجاه الآخر.
10- إدمان وسائل الإعلام كالتليفزيون والإنترنت والتي تشجع على الصمت البيني .
– ويرى بعض علماء النفس أن هناك أسباب ودوافع إيجابية للصمت:
1- معرفة كل طرف لرأي الآخر في كثير من الأمور نظراً لطول العشرة .
2- النضج العقلي والعاطفي لكل الطرفين،حيث تستخدم كلمات قليلة في الحوار بينهما ولكنها تحمل معاني ومدلولات ومشاعر أكثر عمقاً.
3- نمو العديد من وسائل التواصل غير اللفظي مثل النظرة الودودة ونظرة العتاب، الحضن الدافىء والابتسامة الحانية.
4- الاقتراب العاطفي والروحي بين الزوجين لدرجة لم تعد تحتاج لتأكيدات لفظية .
5- قد يكون الصمت علامة الرضا.
6- الرغبة في اخفاء حقيقة مؤذية لمشاعر الطرف الآخر.
– أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية :
– بسبب ضعف الوعي بمفهوم الزواج والاعتماد على الخبرات المتراكمة، والتي لم تعد تصلح في ظل التغيرات الاجتماعية الهائلة، الانفتاح الإعلامي العالمي وتأثير وسائل الإعلام والذي يعرض صورى مؤثرة غير واقعية عن الحب مما يسبب احباط الزوجين بعد الزواج حين لا يجد الصورة الحالمة التي كان يتوقعها فيؤدي شعوره بالفشل للصمت .
– ارتفاع نسبة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الفكر المادي نتيجة سياسة العولمة والرغبة الجامحة في اشباع الرغبات المادية على حساب حياتنا النفسية والعاطفية.
مما يسبب ضغوط تمنع من التواصل الفعال بين الجميع على كل مستويات العلاقات الإنسانية
.