شعر و ادب

من موتِكَ المُخْضَرّ .. الشاعر فرحان الخطيب

من موتِكَ المُخْضَرّ

الشاعر فرحان الخطيب

لا لستُ أنكرُ ..

-أننا الأحياءَ –

نزرعُ أرضَنا بالموتِ ..

كي نبقى على قَيدِ الحياةْ ..

ننأى عن الفجرِ المولّدِ للصباحِ..

وللضياءِ ..

ونستريحُ على بساطٍ من جميلِ الأمنياتْ ..

ونعيشُ سِفْرَ الرّاحلينَ لعلّنا ..

نخطو إذا صحَّ التّمني ..

صوبَ طوقٍ من نجاةْ ..

ولأننا ..

لا خيمة ً تمشي بلا حِمْلٍ على سنمِ البعيرِ ..

وأننا لاشكَّ نَبعدُ عن مجاراة الذهابِ ..

إلى الأمامِ ..

ولم نزلْ نشتاقُ جلَّ الإشتياقِ ..

إلى دثارٍ من مواوايل الرعاةْ ..

ولأننا كقوافلٍ تشتمُّ رائحةَ العرارِ ..

تشيلُ أحمالَ الرّحيلِ ..

ونشتهي طُرُقَ التّسكعِ فوق لاهبة الهجيرِ ..

وتحتها نهرٌ ..

إذا بسموا تفجّرَ عن ثمارٍ دانياتْ ..

ولأننا ..

كم نهرقُ الدّمعَ الهتونَ على التّصحّرِ..

في بوادي الرّوح ..

كي نُبقي على الرّمل المُشمّسِ ..

والمُملّحِ بالحصاةْ ..

ولأننا ..ولأننّا ..

جئناكَ ” يامحمودُ ” ياشعرَ المواجعِ ..

والعناقيدِ التي عتّقتها نبلاً وعشقاً ..

في الجليل من الثباتْ ..

جئناكَ ننثرُ عطركَ الوطنيَّ ..

نحملُ طيفكَ النبويَّ..

من كلِّ اتجاهاتِ الأماكنِ واللغاتْ ..

ولأننا لا نملكُ العزفَ الجميلَ ..

ولا المُلوّنَ بالحكاياتِ القديمة ِ انتصاراً هاهنا ..

جئنا ..

لكي نبكي عليكْ ..

ولعلنا نحتاجُ حلمكَ كي نُعمّرَ من حجارتهِ ..

مداميكَ اشتياقٍ صُغْتَها..

من نبضكَ الممتدِّ من يافا ليقظةِ ناظريكْ ..

ولعلّنا ..

نحتاجُ كيف البرتقالُ 

إذا تجذّرَ في تضاريسِ التّجلُّدِ ..

والمقاومةِ العنيدةِ ..

كيف يغدو ..

مثل ألعابِ الطّفولة لاتفارقُ مقلتيكْ ..

نحتاجُ عطرا من شذا الأشعارِ ..

يُكتبُ في يديكْ ..

جئنا كما عوّدتَنا ..

أو قلْ كما نعتادُ بعد اليومِ ..

أن نأتي إليكْ ..

أو عوّدونا أنْ ندبّجَ أجملَ الأشعار والهذيانِ ..

والصّحو المباغتِ عندما ..

تقتادُ اجنحةَ المنايا كوكباً ذاتَ مساءْ ..

جئنا لأنكَ ..

 وردُكَ المشكولُ في خيط الرجوعِ ..

يشدُّنا للبوحِ عن سببِ البقاءْ ..

جئنا لنبكيَ ..

او لنفصحَ عن مشاعرنا النبيلةِ كاليتامى ..

كلّما جفّتْ ضروعُ الإبلِ ..

أو قلَّ الجَنا بالنّخلِ آلو للبكاءْ ..

جئنا نخاطبُ فيكَ أدمعَنا التَّعالتْ ..

غيمةً من جرحنا العربيِّ ..

تقطرُ جبنَنا ونحولَنا وضمورَنا ..

ولعلّ أهونَ ما يُصيبُ المرءَ منّا هذهِ اللحظاتِ ..

جَلْدٌ في العَراءْ ..

لم تبتعدْ عنا كثيراً ..

أيُّها الرّجلُ الذي مازال يرفعُ إصبعيهِ ..

تحديّا للغاصبينْ ..

لازلتَ – نُدركُ – ماغفلتَ ..

عن المجازرِ في رقابِ الطّيبين ..

لا زلتَ – نُدركُ – لا يميتُ الموتُ من تركَ الوصيةَ..

والشهادةَ..

وهي لم تكنِ الاخيرةَ ..

كي تظلَّ الأرضُ تحبلُ بالرّجالِ الخالدينْ ..

لا تبتعدْ عنّا كثيرا ..

إنها روحٌ وترجعُ في إهاب العائدين …

لا يا أخي ..

يا أيها الشعر التّرصّعَ من يراعكَ ..

سوف يحيا للأبدْ ..

او قل إذنْ ..

لمّا إليكَ القدسُ ترجع حرةً … 

اطلقْ حصانكَ ..   

لا تقلْ ما من أحدْ ..

لا تبتعدْ عنا كثيراْ .. 

أيها الشعرُ المحبّر بالذهبْ ..

أشكو إليك سيوفنَا . 

ام ان للشكوى أصولا ..

أنت لم يبرد دمُكْ ….

جدرانُ روحك لم تزلْ تسخو عليها دمعتُكْ ..

ولأن شعرَكَ وردةٌ ..

تزهو بها حتّى القيامةِ امّتُكْ . 

وإذا الغلالْ تراكمتْ في بيدرِ العُرْب الكرامِ..

فعطرُها .. 

سيكون حتما غلَّتُكْ ..

جئناكَ ..

بُلْبلُنا يغرّدُ فوق سطح الدّارِ ..

في رَأدِالغسقْ .. 

والنّارُ تَغلي في ضميرِ الغائبِ النّائي ..

ويحترقُ الحَبقْ ..

وحظيرةٌ مَلأى بأنواعِ الضّجيجِ …

ودهشتي ..

لا دِيكَ يُطلقُ للصّباحِ صياحَهُ ..

وصِياحُنا ..

من شدّةِ الصّوتِ اختنقْ ..

جئناك َ..

فَازْهِرْ ..

ربّما من موتكَ المخضَرِّ ..

ينطلقُ السَّبقْ ..

     ****************

* في مهرجان ذكرى الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش 

في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في دمشق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى