مقالات

موقف الشرع من زكاة الركاز ” جزء 2″

موقف الشرع من زكاة الركاز ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع موقف الشرع من زكاة الركاز، وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، ليس كل مدفون يكون ركازا، بل كل ما كان من دفن الجاهلية، أي من مدفون الجاهلية، ومعنى الجاهلية هو ما قبل الإسلام، وذلك بأن نجد في الأرض كنزا مدفونا، فإذا استخرجناه ووجدنا علامات الجاهلية فيه، مثل أن يكون نقودا قد علم أنها قبل الإسلام، أو يكون عليها تاريخ قبل الإسلام، أو ما أشبه ذلك، وقوله” ففيه الخمس في قليله وكثيره ” فلا يشترط فيه النصاب، لعموم قول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” وفي الركاز الخمس ” ثم اختلف العلماء في الخمس، هل هو زكاة أو فيء ؟ وبناء على اختلافهم في ” أل ” في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ” الخمس ” هل هي لبيان الحقيقة أو هي للعهد ؟

 

فقال بعض العلماء إنه زكاة فتكون ” أل ” لبيان الحقيقة، ويترتب على هذا القول هو أن تكون زكاة الركاز أعلى ما يجب في الأموال الزكوية، لأن نصف العشر، والعشر، وربع العشر، وشاة من أربعين، أقل من الخمس، وأنه لا يشترط فيه النصاب، فتجب في قليله وكثيره، وأنه لا يشترط أن يكون من مال معيّن، فيجب فيه الخمس سواء كان من الذهب أو الفضة أو المعادن الأخرى، بخلاف زكاة غيره، وإن الخمس المعهود في الإسلام، وهو خمس الغنيمة الذي يكون فيئا ويصرف في مصالح المسلمين العامة، وهذا هو الراجح، لأن جعله زكاة يخالف المعهود في باب الزكاة وأما من وجد كنزا وليس عليه علامات تدل أنه من دفن الجاهلية فهو في حكم اللقطة، وينتظر عليه سنة كاملة.

 

ثم يحل له تملكه بعدها إلا أن يُعرف صاحبه قطعا فيجب دفعه له، أو تعويضه بقيمته في وقت التصرف به، ولا يجوز البحث عن الكنوز في أراض مملوكة لأحد، لأن هذا من التصرف في مال غيره بغير حق، ومن وجد مالا في أرضِ غيره فيجب أن يدفعه لصاحب الأرض، وينبغي للعقلاء أن لا يضيعوا أعمارهم في البحث عن مثل هذه الكنوز، فإنها مضيعة للأوقات والأعمار والأموال، مع ما يترتب عليها من عقوبات من الدولة، وقد يعيش المرء دهره كله ولا يجد قطعة نقدية واحدة، وقد يشتغل المرء في الزراعة فيحرث أرضه ويوفقه الله لوجود ما يغتني به عمره كله، وقد يسلك كثير من الناس طرقا غير شرعية لاستخراج هذه الكنوز، فبعضهم يستعين بالسحرة والكهنة والمشعوذين.

 

وآخرون يعتمدون على اتصالهم بالجن، وكل هذه الطرق غير شرعية، وهي توجب استحقاق الإثم العظيم على فاعله، وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، أن هناك من يحضّر الجن بطلاسم يقولها، ويجعلهم يخرجون له كنوزا مدفونة في أرض القرية منذ زمن بعيد، فما حكم هذا العمل؟ فأجاب بأن هذا العمل ليس بجائز فإن هذه الطلاسم التي يحضّرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير فقال الله تعالى فى كتابه العزيز ” إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار” والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق، ويغرهم بما يعطيهم من الأموال، فالواجب هو مقاطعة هؤلاء.

 

وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب في أمثال هؤلاء أنهم يحتالون على الناس ويبتزون أموالهم بغير حق، ويقولون القول تخرصا، ثم إن وافق القدر أخذوا ينشرونه بين الناس، ويقولون نحن قلنا وصار كذا، ونحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوى باطلة، أنها هي التي منعت هذا الشيء، وأن الذي يحمل كثيرا من الناس على الجري خلف تلك الأوهام، وطلبها من السحرة والمشعوذين وأمثالهم، هو أن نفوسهم امتلأت بحب الترف، والتعلق بأوهام الغني، من غير أسبابه، وطلب المال من غير بابه، مع ما تركب في كثير من تلك النفوس من غلبة الكسل والركون إلى البطالة، وإن الذي يحمل على ذلك في الغالب زيادة على ضعف العقل.

 

إنما هو العجز عن طلب المعاش بالوجوه الطبيعية للكسب من التجارة والفلح والصناعة فيطلبونه بالوجوه المنحرفة، وعلى غير المجرى الطبيعي من هذا وأمثاله، عجزا عن السعي في المكاسب، وركونا إلى تناول الرزق من غير تعب ولا نصب في تحصيله واكتسابه، وإني أوجه النصيحة إلى من ابتلي بهذا الأمر وأقول لهم احذروا أن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله عز وجل وأخذ أموال الناس بالباطل ، فإن أمد الدنيا قريب، والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل، وأن تصححوا أعمالكم، وتطيبوا أموالكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى