مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
قال تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
قوله {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}: هذا مثلٌ ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إِلى سبعمائة ضعف أي مثل نفقتهم كمثل حبة زُرعت فأنبتت سبع سنابل
وقوله{كَمَثَلِ حَبَّةٍ} شبّه سبحانه الصدقة التي تُنفق في سبيله بحبة زرعت وباركها المولى فأصبحت سبعمائة حبة، ففيه تشبيه «مرسل مجمل» لذكر أداة التشبيه وحذف وجه الشبه قال أبو حيان: وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر. وقوله {أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} إِسناد الإِنبات إِلى الحبة إِسنادٌ مجازي ويسمى «المجاز العقلي» لأن المنبت في الحقيقة هو الله تعالى.
{فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} أي كل سنبلةٍ منها تحتوي على مائة حبة فتكون الحبة قد أغلَّتْ سبعمائة حبة، وهذا تمثيل لمضاعفة الأجر لمن أخلص في صدقته
ولهذا قال تعالى {والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} أي يضاعف الأجر لمن أراد على حسب حال المنفق من إِخلاصه وابتغائه بنفقته وجه الله
{والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي واسع الفضل عليم بنيَّة المنفق
والآية نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك، حيث جهزّ عثمان ألف بعير بأحلاسها وأقتابها ووضع بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألف دينار، فصار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقلّبها ويقول: ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم .
وأتى عبد الرحمن بن عوف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأربعة آلاف درهم فقال يا رسول الله: كان عندي ثمانية آلاف درهم فأمسكت منها لنفسي ولعيالي أربعة آلاف وأربعة آلاف أقرضتُها ربي، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت» ، فنزلت فيهما الآية {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله … } الآية.
{الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى}
{المن} أن يعتد بإِحسانه على من أحسن إِليه، وأن يذكّره النعمة على سبيل التطاول والتفضل قال الشاعر:
أفسدتَ بالمنِّ ما أسديتَ من حَسَن … ليس الكريمُ إِذا أسدى بمنّان
{الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى}
أي لا يقصدون بإنفقاقهم إلا وجه الله، ولا يعقبون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات بالمنِّ على من أحسنوا إِليه كقوله قد أحسنتُ إليك وجبرتُ حالك، ولا بالأذى كذكره لغيره فيؤذيه بذلك
وقوله {مَنّاً وَلاَ أَذًى} من باب ذكر العام بعد الخاص لإِفادة الشمول لأن الأذى يشمل المنَّ.
قال الزمخشري: المنُّ أن يعتد على من أحسن إِليه بإِحسانه، وفي نوابغ الكلم «صنوان من منح سائلة ومنَّ، ومن منع نائله وضنّ» و «طعم الآلاء أحلى من المنّ وهي أمرُّ من الألاء مع المنِّ» وقال الشاعر:
وإِن امرءً أسدى إِليَّ صنيعةً … وذكّر فيها مرةً للئيم
{لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي لهم ثواب ما قدموا من الطاعة عند الله
{وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} أي لا يعتريهم فزعٌ يوم القيامة ولا هم يحزنون على فائتٍ زهرة الدنيا
#محمد_أبوالنصر.