عرب وعالم

نبيل أبوالياسين: الصين تستعد لصراع طويل الأمد.. وحلفاء واشنطن بين الولاء والمصلحة

نبيل أبوالياسين: الصين تستعد لصراع طويل الأمد.. وحلفاء واشنطن بين الولاء والمصلحة

نبيل أبوالياسين: الصين تستعد لصراع طويل الأمد.. وحلفاء واشنطن بين الولاء والمصلحة

 

 

تتشكل معالم نظام عالمي جديد بوتيرة متسارعة، حيث تتصاعد التنافسات بين القوى العظمى، وتُختبر ولاءات الحلفاء التقليديين. بينما تُحذِّر الصين من مخاطر “الصدام” مع واشنطن، مستعيدةً فلسفة “الحرب المطولة” لزعيمها التاريخي ماو تسي تونغ، تُصر الولايات المتحدة على تعزيز تحالفاتها في المحيط الهادئ، مدفوعةً بمخاوف أمنية واقتصادية، وفي خضم هذا الصراع، تبرز مفارقة لافتة: حلفاء واشنطن، مثل كندا، يبحثون عن شراكات اقتصادية مع بكين، في مؤشر على أن المصالح قد تُعيد رسم الخرائط الجيوسياسية.

 

استحضار الماضي: فلسفة “الحرب المطولة”

 

لمواجهة العقوبات والضغوط الأمريكية المتصاعدة، تستحضر الصين فكر “الحرب المطولة” لقائدها التاريخي ماو تسي تونغ، في إشارة واضحة إلى استعدادها لمواجهة طويلة الأمد، والمتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، تشانغ شياو قانغ، حذر من أن “الصدام ليس خياراً”، واصفاً سلوك أمريكا بخلق أعداء وهميين بـ”الخطير” وأكد أن الجيش الصيني جاهز لكل السيناريوهات، وسيدافع عن السيادة بلا تردد، مما يبرز الثقة المطلقة في القدرة على الصمود ومواجهة أي تحديات مستقبلية تفرضها واشنطن.

 

عجلات أمريكا: سلاح صامت في قبضة بكين

 

مستقبل الولايات المتحدة الاقتصادي قد يكون مرهوناً بقرار صيني صامت “فـ” من دون الصين…عجلات أمريكا لا تدور!،

تنتج بكين 99‎%‎ من مغناطيسات السيارات الاستراتيجية المصنوعة من معادن أرضية نادرة، والضرورية لكل شيء من السيارات وأشباه الموصلات إلى الطائرات المقاتلة والروبوتات، وسمحت واشنطن لهذه الصناعة الحيوية بالانتقال إلى الصين قبل عقدين، لتجد نفسها اليوم تواجه اضطراباً اقتصادياً شديداً بعد أن أوقفت بكين فجأة صادرات هذه المغناطيسات، مهددة بوقف إنتاج مصانع السيارات الأمريكية والأوروبية.

 

الصين والولايات المتحدة: دوافع متشابكة وتحديات متبادلة

 

رغم الاستعداد الصيني لمواجهة طويلة الأمد بفضل فلسفة “الحرب المطولة” وسيطرتها على 90% من صناعة المعادن النادرة، إلا أن بكين تواجه “تحديات داخلية جسيمة” قد تُعيق قدرتها على الصمود، مثل تباطؤ النمو الاقتصادي، وأزمة القطاع العقاري، وارتفاع بطالة الشباب، ناهيك عن مخاطر العقوبات الاقتصادية المتبادلة التي تضر باقتصادها القائم على التصدير.

 

في المقابل، لا تخلو “الاستراتيجية الأمريكية” من مبررات؛ فالتوسع الصيني في بحر الصين الجنوبي، وتحالفات بكين مع روسيا، ونفوذها المتصاعد في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، تدفع واشنطن إلى تعزيز تحالفاتها، وإن كان ذلك يُرى من الصين كـ”استفزاز”، كما تسعى الولايات المتحدة إلى “تقليل اعتمادها” على الصين عبر إعادة توطين الصناعات الحيوية، مثل أشباه الموصلات، لكن هذا التحول بطيء وغير مضمون النجاح، وهذا التنافس يعكس معضلة القوة العظمى: الصين تمتلك أوراقًا اقتصادية قوية لكنها هشة داخليًا، بينما تحاول أمريكا الحفاظ على هيمنتها رغم تراجع نسبي في النفوذ الاقتصادي، والسؤال الأكبر: هل يمكن إدارة هذا الصراع دون انزلاق إلى مواجهة مفتوحة؟.

 

الأسطول الصيني: استعدادٌ لصدام مُتخيّل

 

تستعرض الصين قدراتها العسكرية باستمرار، حيث يحاكي أسطولها حرب المستقبل عبر تفاعل ذكي بين السفن والطائرات المسيرة في بحر الصين الجنوبي، ومناورات مكثفة شملت المدمرة الصاروخية “وينان” والفرقاطة “يولين”، بهدف زيادة تماسك المجموعة البحرية وتطوير مهارات اتخاذ القرار في ظروف قتالية حقيقية، والمتحدث تشانغ شياو قانغ أكد أن مسألة تايوان شأن داخلي، وأن أي تدخل أمريكي مرفوض، ووجه اتهاماً مباشراً لواشنطن بأنها “التهديد الأكبر للسلام والاستقرار” عبر خلق الفوضى وتشكيل التحالفات.

 

بوصلة تتجه شرقاً: تحول الحلفاء القدامى

 

في مشهد يعكس تعقيد التحالفات في القرن الحادي والعشرين، تبحث دول مثل كندا عن توازن دقيق بين الولاء التقليدي لواشنطن والمصالح الاقتصادية مع بكين، فبينما تُصر أوتاوا على تعزيز الأمن مع الحلف الغربي، تُظهر استعدادًا للحوار مع الصين لإنهاء النزاعات التجارية، في إشارة إلى أن “الولاءات” في النظام العالمي الجديد قد تكون مرنة، لكنها ليست بالضرورة منعدمة.

 

واشنطن: صانعة الحروب وأعداء نفسها

 

تتهم الصين الولايات المتحدة بأنها “تسير عكس اتجاه العصر وتتصرف بتعنت”، وأنها لن تجني في النهاية سوى الضرر على نفسها، والمتحدث تشانغ شياو قانغ يُشير إلى أن واشنطن، من أجل مصالحها الأنانية، تشن حروباً تجارية وتُشكّل تكتلات ضيقة، وتغرق في مواجهات المحاور، مما يثير قلقاً عميقاً لدى دول المنطقة، فضلاًعن: أنها تعزز انتشارها العسكري وتتدخل بفظاظة في شؤون الدول الداخلية وتُؤجج التوترات، مُتهماً إياها بأنها تجلب الحروب في العالم وتصنع الخلافات بين الدول.

 

وختامًا: إن السيناريو الأكثر ترجيحًا ليس انهيارًا مفاجئًا للنظام العالمي القائم، بل تحولًا تدريجيًا تتصارع فيه القوى العظمى على مناطق النفوذ، بينما تحاول الدول الصغرى التكيف مع المتغيرات، والسؤال الأصعب: هل يمكن للتنافس الصيني-الأمريكي أن يبقى ضمن حدود “البروكسي” والحروب الاقتصادية، أم أن تصعيدًا عسكريًا خاصة حول تايوان، قد يُفجّر مواجهة مفتوحة؟ التاريخ يُكتب الآن، والإجابة قد تحدد مصير القرن.

والصين: تمتلك اقتصادًا قويًا وقدرات عسكرية متطورة، لكنها تعاني من شيخوخة السكان وقيود سياسية قد تُعيق الابتكار، بينما أمريكا: تتفوق تكنولوجيًا وعسكريًا، لكنها تواجه انقسامًا داخليًا وتراجعًا نسبيًا في النفوذ الاقتصادي، والحلفاء مثل “أوروبا وكندا” يبحثون عن الاستقلال الاستراتيجي دون قطع العلائق مع واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى