نبيل أبوالياسين: يكتب «ترامب وغزة» تهديدات لا تتوقف ومصير معلق
نبيل أبوالياسين: يكتب «ترامب وغزة» تهديدات لا تتوقف ومصير معلق

نبيل أبوالياسين: يكتب «ترامب وغزة» تهديدات لا تتوقف ومصير معلق!
في عالمٍ يُدار بلغة التهديدات العشوائية وحسابات المصالح الضيقة، تظلُّ غزة ذلك الشريطُ الساحليُّ المُحاصر ساحةً لصراعٍ وجوديٍ تتقاطع فيه أطماعُ القوىّ العظمىّ مع معاناة شعبٍ يُكافح للبقاء و”دونالد ترامب”، الرئيس الأمريكي الذي حوَّل السياسةَ الدولية إلى سلسلةٍ من الصفقات المُربحة، لم يكتفِ بإطلاق وعودٍ زائفةٍ بـ”صفقة القرن” في السابق، بل واصل تهديداتةُ المُباشرة لسكان غزةَ عبرَ دعمِ الاحتلال غير المحدود، وقطعِ المساعدات الإنسانية، وتبرير الحرب على القطاع تحت ذرائع أمنيةٍ مُزيَّفة،
واليوم؛ بينما تُعلن إسرائيل عن خططٍ جديدةٍ لـ”إخلاء غزة”، وغلق المنافذ ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وتتصاعد حدةُ التصريحات الأمريكية المُنحازة، ويبدو مصيرُ مليونَي فلسطينيٍ في القطاعِ مُعلَّقاً بين مطرقة التهجير القسريِّ وسندان الصمت الدولي، وترامب الذي أضفىّ الشرعيةَ على الإستيطان وضمِّ الضفة الغربية، يُعيدُ إنتاج سيناريو الكارثة عبر خطابٍ يُجسِّدُ “الغطرسةَ السياسية” في أبشع صورها، فبدلًا من أن يكون وسيطاً للسلام، تحوَّل إلى داعمٍ رئيسيٍ لآلةِ الحربِ التي تطحنُ أحلام الفلسطينيين.
والسؤال؛ الذي يُطرَح نفسه بإلحاح
هل ستنجحُ تهديدات “ترامب المُتجددةُ في تحويلِ غزة إلى ساحةٍ مفتوحةٍ للصراعِ الأبدي؟، أم أنَّ صمود أهلِها سيفرض على العالم إعترافاً بأن الحقَّ لا يُساوم، وأن التهديدات مهما عَظُمت لن تُميت إرادةَ الحياة؟، وفي هذا المقال أناقش فيه تداعياتِ سياساتِ “ترامب” على غزة بصفة خاصة وتهديدات لبعض دول أوروبا بصفة عامه والتفكك الأوروبي الأمريكي التي بدت بوادره تظهر على السطح، فضلاًعن؛ كشف كيف تُحوِّل “لعبةُ القوةِ الأمريكية” القضيةَ الفلسطينيةَ إلى ورقةٍ رابحةٍ في سباقِ النفوذِ الإقليمي، بينما تتدحرجُ دماء الأبرياء تحت عجلات التاريخ.
وسنحلل، جذور هذه الأزمة، مع تسليط الضوء على السياسات “غير الرشيدة” التي إتبعها ترامب، وإنعكاساتها على المصالح الأوروبية، وكيف حاول الإتحاد الأوروبي رغم التحديات الحفاظ على توازن هش بين الإنضباط للواقع الجديد والسعي لحماية قيمتة الإستراتيجية، وقد شهدت السنوات الأربع لرئاسة “دونالد ترامب” السابقة تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية تجاه الحلفاء التقليديين، خاصة في أوروبا، فبينما إعتمدت واشنطن لسنوات على مبادئ التعددية والشراكة الإستراتيجية، وجاءت سياسات “ترامب الشعبوية” تحت لتعيد تشكيل التحالفات عبر الأطلسي من منظورٍ ضيقٍ، قائم على المصالح الفورية والمواقف الأحادية، وتحوّلت هذه السياسات “غير الرشيدة” إلى عامل تفكيكٍ للثقة التاريخية بين الضفتين، وحاولت دول أوروبا رغم الضغوط الحفاظ على مصالحها في عالمٍ يزداد اضطراباً حتى رحل “ترامب” وخسر الإنتخابات أمام “جوبايدن”، وإرتاحت دول العالم ولاسيما؛ دول الإتحاد الأوروبي من كابوس السياسات الترامبية على أمل بعدم عودتها مره آخرىّ، ولكن لم يحالفهم الحظ فقد عاد “ترامب” بسياسات إنتقامية تهدد التحالفات الأوروبية الأمريكية بالتفكك.
• ما سبب التهديدات الفرنسية لواشنطن
أكشف؛ هنا في مقالي كيف تحوّلت إدارة “ترامب” إلى عامل تفكيكٍ للإستقرار العالمي، وكيف حاولت فرنسا، تحت قيادة “ماكرون”، إنقاذ ما تبقى من نظام دولي قائم على القواعد، في مواجهة تحالفات غامضة وسياساتٍ قصيرة النظر،
ففي خضمّ التحوّلات الجيوسياسية التي شهدها العقد الماضي، برزت توترات غير مسبوقة في العلاقات الفرنسية الأمريكية، خاصةً خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” السابقة، والتي أثارت سياساتة الخارجية المُتذبذبة هينها تجاه روسيا مخاوف حلفاء واشنطن التقليديين، فبينما سعىّ “ترامب” إلى تقريب المسافة مع الكرملين، مُتجاهلاً إنتهاكات موسكو في أوكرانيا وتدخلاتها في الشؤون الديمقراطية الغربية، ووجد الرئيس الفرنسي”ماكرون” نفسه في مواجهة مأزق إستراتيجي ، وكيف يحمي مصالح أوروبا في ظل تحالف أمريكي يبدو مُنشغلاً بتصفية حسابات الحرب الباردة؟،
ولم تكن إنتقادات “ماكرون” العلنية لسياسات “ترامب” خاصةً فيما يتعلق بـ”حلف النات” مجرد خلافات دبلوماسية عابرة، بل عبّرت عن “شرخ عميق” في الرؤىّ حول النظام العالمي.
وتحذيرات ” ماكرون” من موت الناتو، ودعواتة إلى “جيش أوروبي مستقل” لم تكن سوىّ محاولات لسد الفراغ الذي خلّفته السياسة الأمريكية المُتقلبة، والتي بدت وكأنها تدفع العالم نحو”فوضى متعددة الأقطاب” قد تُشعل صراعات غير محسوبة العواقب، ويظهر لأول مره “ماكرون” في خطاب عاجل وصفة البعض بالمتوترهدد “الولايات المتحدة الأمريكية” وحذر؛ القارة الأوروبية من التهديد الروسي، وأعلن عن تفعيل الدفاع النووي الفرنسي، وفي يصعّد في خطابة ضد روسيا ويضع أوروبا على حافة مواجهة مباشرة معها، ويعلن أن روسيا أصبحت تمثل تهديداً حقيقاً لفرنسا وأوروبا بأكملها، ويكشف عن قرارات خطيرة قد تغيّر موازين الصراع بالكامل، وزعم “ماكرون” أن روسيا تخطط بحلول عام 2030 لتعبئة ثلاثة ملايين جندي وإنتاج أربعة آلاف دبابة، مما يشكل تحدياً أمنياً خطيراً لأوروبا، إذا كان بإمكان دولة ما أن تغزو أوروبا المجاورة وتظل دون عقاب، فلا يمكن لأحد أن يكون متأكداً من أي شيئ، متواصلاً: ولقد بدأنا نقاشاً حول إستخدام الأسلحة النووية الفرنسية لحماية الإتحاد الأوروبي بأكمله.
• تحديث الجيش الألماني وبداية التفكك الأمريكي الأوروبي
وفي ظلّ عصرٍ تتصدّع فيه اليقينيات الجيوسياسية، تبرز “ألمانيا” كفاعلٍ إستراتيجيٍ جديدٍ يُعيد تعريف دوره في عالمٍ مضطرب، فبعد عقودٍ من الإعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية ضمن حلف الناتو، أطلقت برلين عام 2022 “مشروعاً تاريخياً لتحديث جيشها، مُخصصةً ميزانيةً غير مسبوقةٍ تصل إلى “100” مليار يورو، في خطوةٍ تُعتبر الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والآن وفي ظل المخاوف من سياسات ” ترامب” المتقلبه الحكومة الألمانية تطالب بتحديث الجيش الألماني بقيمة 400 مليار يورو، وهذا يعني بداية التفكك