مقالات

نحن آسفون يا “ميندي”!

نحن آسفون يا “ميندي”!
كتب/أشرف ضلع
بعد ثلاث سنواتٍ في السّجن، أطلقت المحكمةُ في لندن سراح “بنيامين ميندي”!
“ميندي” الخلوق جداً كما يعرفه الجميع، المسلمُ الفخورُ بدينه، المتواضع الذي لم تُسكره منصّات التتويج وهو يرفعُ كأس العالم مع فرنسا، وكأس الدوريّ الإنكليزي مع مانشستر سيتي! أسود البشرة أبيض القلب، صديقُ الفقراء الذين خرجَ من بينهم فلم ينسَهم، وكذلكَ النُّبلاء: إذا ما أيسروا ذكروا، من كان يألفهم في المنزل الخَشِنِ!
اتهمته فتياتٌ بالاعتداءِ الجنسيّ عليهنَّ، وبعد تحقيقاتٍ، ومحاكماتٍ، تبيّنَ أنه بريء، وأنَّ الدعوى كانت لأجلِ الابتزازِ الماليّ، وتشويه السُّمعة!
ونيابةً عن هيئة المُحلّفين، والمحكمة العليا في بريطانيا، قال له القاضي: نحن آسفون يا ميندي!
يا لتفاهة العدالة، ويا لتفاهة الاعتذار!
آسفون، بهذه البساطة والوقاحة!
آسفون على ماذا؟
هل دستم على قدمه دون انتباه؟
هل جرحتم له طلاء سيارته؟
هل كسرتم له نافذة، أو اقتلعتم له شجرة؟
لقد دمرتموه حرفياً، حطّمتم سمعته، وأهدرتم عمره، وهل الإنسان إلا عُمْر وسُمعة؟!
من سيعوّضه عن كل هذا الخراب؟
عن كل المقالات التي نهشتْ لحمه وهو خلف القضبان، عن كل التجريح في وسائل الإعلام!
من سيعوضه إسقاطه من عيون أولاده كأب وقدوة، ومن سيعوضه انكسار ثقة زوجته به كحبيب ورفيق عمر؟!
من سيعوّضه دموع أمه، وكسرة خاطر أبيه؟!
الكثير من الاعتذارات في الحياة تافهة جداً، وموجعة أكثر من التُهمة نفسها، إنها كَرَشِّ ملحٍ على جُرح!
ثمة اعتذارات لا تصلحها كلمة آسف، وعلى المخطئ أن يشعر بالخزي، لا أن يتحدّث بأناقة، فالكلام مهما كان معسولاً لا يُغيّر شيئاً لا من قباحة المسيء، ولا من فداحة فعله، ولكن الناس يعتذرون بأناقة لا لترميم أوجاع الذي أخطأوا بحقّهم، إنهم يُدافعون عن صورهم الشّخصيّة لا أكثر!
كلمة آسف لا تعيدُ إلى الناس أعمارهم التي أهدرتها لهم!
ولا تُرمم ذاك الشّرخ العميق في القلب، ولا تُنسي المجروح تلك اللحظات التي جثتْ فيها روحه على قدميها حين توهّم المسيءُ أن لا شيء قد حدثَ لأن الجسدَ كان منتصباً!
ثمة اعتذارات يجب أن لا تُقال احتراماً لفداحة الجروح، وإجلالاً لحثاثة النزيف!
ثمة اعتذارات يجب أن يحتفظ بها المسيئون لأنفسهم، لأن المجروحين لا يحتاجونها

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى