Uncategorized

نخبة أدباء من جيلين ضيوفا على مهرجان لمديرية ثقافة دمشق

نخبة أدباء من جيلين ضيوفا على مهرجان لمديرية ثقافة دمشق

نخبة أدباء من جيلين ضيوفا على مهرجان لمديرية ثقافة دمشق

تقرير .محمد عادل رسلان 

تصوير. محي الدين كاظم

أقام المركز الثقافي العربي في دمشق أمسية أدبية تحت عنوان أصابع الحُلم شارك فيها كل من الشعراء قحطان بيرقدار وقاسم فرحات وإيمان الصباغ والقاصين عماد نداف وسامر منصور. وقد اتسمت المشاركات بالتنوع على صعيد الأساليب والمضامين وسنورد مقتطفات منها في نهاية هذه المتابعة الصحفية.
كانت البداية مع قصيدتين للشاعر قحطان بيرقدار تطرق فيهما إلى القضايا المعاصرة المرتبطة بمعاناة الشعوب على أكثر من صعيد وخاصة بث الفتنة ، فقدم الشاعر قحطان بذلك بانوراما فنية من حيث ثراء قصيدته بفنيات الشعر والتي كان أبرزها على سبيل المثال توظيف الموروث والاسقاط على الحاضر بطريقة ذكية ومعبرة. ومن جهة أخرى كانت مشاركته بانوراما لما يعتمل في وجدان وذهن المواطن العربي عبر طرحٍ عميق وتشخيص جعل مشاركته في نطاق الشعر التنويري ، مستوفياً أركان القصيدة على أجمل وجه ، من حيث هي معنى ومبنى ومغنى مما جعله يستحوذ على اهتمام السادة الحضور.
ومن جهته قدم الشاعر قاسم فرحات قصائد حملت الهمَّ العربي لجهة القضية الفلسطينية فعبَّر عن معاناة الفلسطيني وعن الوحشية الصهيونية بأسلوب شائق حيث اختار مفرداته بعناية لنسج صور مميزة تنضح بالمقدرة التعبيرية واعتمد أدوات كتابة القصيدة الحديثة من انزياحات وابتعاد عن المباشرة لصالح حالة من التطييف المدروس وأضاف إلقاؤه الموفق بُعداً جمالياً آخر لقصائده .

وفي مشاركته قدم الأديب الإعلامي عماد نداف قصة عبَّر فيها عن واقع سوداوي حملت عنوان ” الكابتن” ، حيث تحكي القصة عن رجل مثقف لديه علاقة ودودة مع أطفال الحي الذين يلعبون عادة كرة القدم أمام منزله ثم ما يلبث القاص أن ينقلنا من عوالم الطفولة العذبة الجميلة إلى أجواء فيها أحداث غريبة داخل “ميكرو باص” حيث يستنكر بداية غرابة ما يتم تشغيله من أغاني هابطة وما تلبث كرة الأطفال أن تصطدم بالنافذة فيصاب الجميع بالذعر من صوت الكرة ظانين أن قذيفة سقطت على مقربة للوهلة الأولى. في إشارة ذكية من القاص إلى كون الحياة أضحت هشة ولا تطاق في ظل الحرب والإرهاب لدرجة قد يفزع الناس فيها من صوت كرة أطفال.

تتناول القصة امرأة داخل “الميكرو باص” يطاردها رجل ضخم مفزع المنظر ، مطالباً السائق بالتوقف بينما الامرأة تطالب السائق بمتابعة المسير ، وفي نهاية الأمر ينجح الرجل في جعل السائق يتوقف ويجعله تحت التهديد يفتح باب الحافلة بينما المرأة والتي يتضح أنها زوجة الرجل ، ترجو السائق ألا يفتح الباب .
يندفع الرجل داخل “الميكرو باص” وهو يحمل سكيناً بينما يفرُّ الركاب والسائق ، وتلجأ زوجته إلى الهرب نحو مؤخرة “الميكرو باص” وتتشبث ببطل القصة سائلةً إياه المساعدة ثم تهرع إلى النافذة محاولة الخروج منها لكن طعنة في فخذها تمنعها عن متابعة المحاولة وما تلبث أن تتعرض لعددٍ من الطعنات ترديها قتيلة ، ويبقى بطل القصة جامداً مكانه وهو مغطى بدماء تلك الزوجة التي كانت تحاول الفرار. يعبِّرُ القاص عن المفارقة بكلمات الأغنية التي تداهم مسامعه طيلة وجوده داخل الحافلة ” بس اسمع مني يلي مجنني أنا المتعذب وانت المتهني” تاركاً إيانا نتساءل مين ” المتهني ” ؟ إن كان صوت كرة الأطفال قد سبب الذعر لركاب “الميكرو باص” وهل المرأة التي نالت الموت هي مَن نَعِمَ بالراحة وتركت ذاكرة بطل القصة تعذبه مدى الحياة جراء الموقف الدموي الذي تعرض له؟
في ختام القصة تظهر دلالة الكرة حيث يعود البطل بعد أن عجز عن الوصول إلى حيث أراد أن يصل ، يعود إلى الأطفال ويدحرج الكرة وهي رمز للأمل نحو ذلك الجيل الصاعدة بعد أن عجز عن فعل شيء تجاه وحشية حاضره .
تنفتح القصة على قراءات متعددة ودلالات متعددة سأكتفي بذكر إحداها .. إن الزوجة المقتولة ترمز إلى المرأة التي كانت الضحية الأولى للحرب وللقوى الرجعية المتوحشة التي برزت في زمن الحرب أما الميكرو باص فهو يرمز إلى محاولة التقدم والتجاوز ، يرمز للزمن ربما . أما البطل فهو يرمز للمثقف الذي عجز عن تقديم شيء للمرأة وانقاذها . وبالعودة إلى عنوان القصة “الكابتن” نرى أن بطل القصة لم يكن الكابتن ، ربما الجنون الداهم والدموية هي التي قادت كل شيء في النهاية نحو السوداوية لذا ربما تكون هي كابتن المرحلة.. وفي النهاية يتضح أن الأطفال الذين أعاد لهم البطل الكرة في مشهد الختام هم المؤهل الوحيد ليكون الكابتن ويغير الواقع. وهنا إشارة خفية ربما إلى أن المرأة بإمكانها أن تغير واقعها إن هي ربت الأطفال على احترام النساء فهم الكابتن في نهاية المطاف.
ومما لفتني حقيقة وأثار إعجابي هو التجاهل الكامل لذكر سبب قتل الرجل لزوجته ، وهو تجاهل مقصود باعتقادي الرسالة منه: “أنه لا مبرر لقتل رجل لزوجته وكل المبررات التي قد يتم تقديمها هي هراء لايستحق حتى الذِكر أو التطرق إليه”.
وفي قصته التي حملت عنوان “الزائر” ، طرح الأديب سامر منصور عبر المذهب الرمزي المتشح بشيء من السريالية فكرة المجتمعات البشرية وأبرز القيم المنشئة لها متخذاً أوروبا نموذجاً حيث تقوم قصته على زائر غريبٍ عن كوكبنا يبحث عن أهم قيم التعايش الإنساني وبرغم أن الأوروبيين الذين يقابلهم يدعون أن العدل هو سر استمرار أي مَجمع بشري إلا أنه يحار في أمر العدالة الإنسانية التي يصادفها في محطات زمنية متنوعة . وقد أنسن الأديب منصور العدل واعتمد أسلوب الغموض إلى حدٍّ ما ، ليعزز التشويق ومما ورد في قصته نقتطف: ” دخلت قاعةٍ مهيبة رسمت على إحدى جدارنا هذه العبارة (القرن الحادي والعشرون).. وجدت العدل قبالتي وكان يبدو هائل الحجم بثوبه الفضفاض المُزركش. حدثني لكن صوته بدا لي مضطرباً، كان كرجع الصدى ، لم أستطع فهمه , وبرغم أنه في هذه القاعة يبدو أجلَّ وأجمل إلا أنني في الماضي كنت أفهمه بصورةٍ أسهل. شعرتُ كمن يصغي إلى صدفةٍ فلا يسمع إلا نسخة ً مشوّهة عن صوت البحر. أراد العدل أن يصافحني لكنه عجز عن إخراج يده من ثوبه الفضفاض .. يداه لم تكن قصيرة لكن أكمامه كانت طويلة ً طويلة”.
وفي الختام شاركت الشاعرة إيمان الصباغ بقصيدتين.
ومما قدمه الشاعر قحطان بيرقدار في مشاركته:
“هوامشُ جديدةٌ على دفاترِ النَّكسات”
إلى الشاعر نزار قباني..

لم يَبْقَ ميسونٌ ولا بِلْقِيسُ
حادِي الهوى قد ضَيَّعَتْهُ العِيسُ
وغدا خسيساً كلُّ شيءٍ حَوْلَنا
هذا زمانٌ ليسَ فيهِ نفيسُ
يَعلُو الوضيعُ، وكانَ بَـخْساً شَأْنُهُ
أمّا الرَّفيعُ فنَالَهُ التَّبْـخِيسُ
باعَتْ ضفائرَها سُعادُ رخيصةً
فإلامَ أنتَ بِـحُـبِّها مَهْوُوسُ؟!
ودِيارُ هندٍ أقفرَتْ مِن أهْلِها
ما عادَ للدَّنِفِ الغريبِ أنيسُ
وعيونُ فاطمةٍ تَزُوغُ، فلم تَعُدْ
فيها تُعانِقُكَ الغَداةَ شُموسُ
وتَنكَّرَ النَّهدُ الذي رَبَّيْتَهُ
طِفْلاً، وراحَ معَ الرِّياحِ يَـمِيسُ
قالتْ لكَ السَّمراءُ ما قالتْهُ لي
أنِّيْ بأقصى قَلْبِها مَغْرُوسُ
فإلامَ أنتَ بإِنْسِها مُتَولِّعٌ؟!
وإلامَ أنتَ بِـجِنِّها مَمْسُوسُ؟!
قَلَّبتُ تاريخَ النِّساءِ، فلم أجِدْ
خَلْفَ الـحِمى إلّا النِّساءَ تَسُوسُ
عُذْراً نِزارُ! فحُبُّهُنَّ عَباءَةٌ
وَهْمِيَّةٌ، وخُيوطُها التَّدْلِيسُ
هذي تَخُونُ، وتِلكَ تَهْجُرُ، والتي
قُلْنا: تَجُودُ، أصابَها ” التَّحْلِيسُ ”
وبَقِيتَ وَحْدَكَ بعدَ مَجْدٍ عارِمٍ
بِنُهُودِهِنَّ، لكَ الخَواءُ جَلِيسُ
تَسْتَرْجِعُ الماضي بقَلْبٍ فارغٍ
بعدَ الغِنى كم يُؤلِـمُ التَّفْلِيسُ!
تَمْشِي، وزَهْرُ الياسَمينِ مُبَعْثَرٌ
ما بينَ أرْجُلِهِنَّ، وَهْوَ يَبِيسُ
نادَيْتَهُ، فأجابَ مُنْكَسِراً: أنا
في ليلِ كهفِ الذِّكرياتِ حَبِيسُ
لا عِطْرَ ليْ، إنَّ النُّفوسَ مريضةٌ
بل إنَّها جِيَفٌ، أقُلْتُ: نُفُوسُ؟!
والرِّيحُ تَحْمِلُ نَتْنَها بِأَشُدِّهِ
وخِلالَ حاراتِ الشَّآمِ تَجُوسُ
فَقَدَتْ طهارَتَها الدِّيارُ جميعُها
إذْ كُلُّ شيءٍ مَسَّهُ التَّسْيِيسُ
حتّى كلامُ اللهِ صارَ سِياسَةً
وبذا يَقُولُ الشَّيْخُ والقِسِّيسُ
لم يَبْقَ فينا لا أبو بَكْرٍ، ولا
عُمَرٌ، ولا عيسى، ولا إِدْرِيسُ
فالحَرْفُ في رُقَعِ الضَّلالَةِ ظاهِرٌ
والحَرْفُ في رُقَعِ الهُدَى مَطْمُوسُ
عُذْراً نِزارُ! فلا يَزالُ طريقُنا
وَحلاً، وطابَ لنا بهِ “التَّعْفِيسُ”
رَصَّعْتَ سَيْفَ دِمَشْقَ بالذَّهَبِ الّذي
نَهَبَتْهُ في هذا الزَّمانِ “بَسُوسُ”
ما عادَ يُجْدِي الرَّسْمُ بالكَلِماتِ مُذْ
ذَهَبَتْ بأعناقِ الكِرامِ فُؤُوسُ
قامُوسُ عِشْقِكَ بُعْثِرَتْ صَفَحاتُهُ
تَحْتَ الرُّكامِ، وحُرِّفَ القامُوسُ
سَفَحُوا دِنَانَ الحُبِّ رَغْمَ أُنوفِنا
ما ثَمَّ نَدْمانٌ هُنا وكُؤوسُ
ما ثَمَّ بُوصلَةٌ، يَتُوهُ مَتاهُنا
فينا، ويَحْدُو رَكْبَنا إبليسُ
قد عِشْتَ مُعْوَجّاً زَمانُكَ مِثْلَنا
فبِأيِّ مقياسٍ أتيتَ تَقِيسُ؟!
لم يَسْتَقِمْ وَزْنُ القصيدةِ مَرّةً
خاسَتْ معَ الـجُمهورِ، وَهْوَ يَخِيسُ
زَمَنٌ يُنافِي الشِّعْرَ في لَأْلائِهِ
ويَعُومُ فيهِ النَّظْمُ والتَّخْمِيسُ
في كُلِّ ثانيةٍ يُفَقِّسُ شاعراً
والشِّعْرُ فيما بَيْنَهُمْ تَفْقِيسُ
إنْ قالَ واحِدُهُمْ عَرَفْتَ بِقَوْلِهِ
أنَّ الغَباءَ مَدارِسٌ ودُرُوسُ
مُتَورِّماً تَلْقَاهُ حتّى إنّهُ
حَقّاً لَيحْسَبُ أنّهُ أدُونِيسُ!
يُلْقِي الهُراءَ، وكم يُصَفِّقُ سامعٌ
جَهْلاً، ويَنْفُشُ رِيْشَهُ الطَّاوُوسُ!
مَزِّقْ كِتابَ الحُبِّ، واصِلْ هَجْوَنا
فَلِنَارِ هَجْوِكَ – يا نِزارُ – حَسِيسُ
أحْرِقْ بها الغافِينَ في نَكَسَاتِهمْ
وكأنّهُمْ – عَفْوَ التُّيُوسِ – تُيُوسُ
وَزِدِ الهَوامِشَ والمُتُونَ، ألا ترى
كم ذا تَراكَمَ فَوْقَنا التَّدْنِيسُ؟!
وأضِفْ لِدَفْتَرِكَ القديمِ دفاتراً
إذ كُلُّ شيءٍ حَوْلَنا مَنْكُوسُ
واتْبَعْ خُطا الحَجّاج، لا تَرْأَفْ بِهِمْ!
كم أيْنَعَتْ في الغافِلِينَ رُؤُوسُ!
عُذْراً نزارُ! إذا تَجرّأَ شاعِرٌ
مثلي، وقالوا إنّهُ مَدْسُوسُ!

إلى غزّة…
(بظِلِّكِ تستغيثُ الخَيل)…
(1)
ستُرفَعُ رايةٌ للبحرِ
فاعتَصِمي بأعلى الـموجِ
كي تَتـحرَّرَ الشُّطآنْ
وأوحِي دائماً بالـمـاءِ
أصبحَ ماؤُنا غَـوْراً
وتَـحدُو رَكْـبَنا الكُثبانْ…
ونحنُ العُمْـيُ
مُدِّي كفّكِ البيضاءَ
يَـجْرِ النورُ في دَمِنا
ويَمشِ إلى كواكبِ فَجرِهِ الإنسانْ…

(٢)
سماؤُكِ ليسَ يَبْلُغُها
حَمامُ الشوقِ
مهما طارَ في الأكوانْ
وأرضُكِ أصبحت أشهى سماءٍ
نرتجي منها
دماً للقلبِ أو خَفَقانْ
لنَحفِرَ حُفرةً كالقبرِ للتاريخِ
منذُ جيوشِ هولاكو
وحتّى آخرِ الهَذَيانْ
فغزّةُ تكتبُ التاريخَ منذُ الآنْ…

(٣)
بظِلِّكِ تستغيثُ الـخَيلُ
إنَّ صهيلَها الـمَكتُومَ في الـمنفى
يُـحِيلُ الأرضَ كُلَّ الأرضِ
سِجناً
والـمَدى سَجّانْ
فتَعدُو دُونَـمـا هدفٍ
وتَكبُو دُونَـمـا هدفٍ
وتُنـحَرُ دائماً في الفجرِ
إنْ هـيَ شاءَتِ العِصيانْ…
بظِلِّكِ تستغيثُ، ومَـنْ
سِواكِ سيَعْمُـرُ الصَّهَواتِ
بالفُرسانْ؟!

(٤)
أطِلِّي، يا الْـمَـلِـيكَـةُ، مِن جبينِ الشمسِ
رغـمَ أصيلِـها الدَّامي
ولا تَتعجَّبي
فالصَّرحُ تَـحمِلُهُ ذُرا الوِجدانْ
نَـمُدُّ إليكِ أيدِيَنا
ونكتبُ سِيرَةً للجَـذْرِ
قبلَ تَـفتُّـحِ الأغصانْ
ونَـحلُـمُ بالحصادِ
وقد بَذَرْنا حُبَّـنا للتَّـوِّ
في أرضٍ مِـنَ الأحزانْ
فلا تَتعجَّبي مِنّا
إذا ما سارَ نسغُ النّارِ في الشّريانْ
فما زالت لنا عَينانِ
ما زالت لنا شَفَتانْ…

(٥)
ستُرفَعُ رايةٌ للبـحرِ
هذا الـموجُ تَغسِلُهُ صلاةُ الرَّملِ
كي ينسى عُهودَ الملحِ
يبدأ وَصْلَهُ العَلَنـيَّ
بينَ الرَّوحِ والرَّيحانْ…
وغزّةُ إذْ تُطِلُّ على حنينِ الأزرقِ الأبَديِّ
لا ترضى لهُ إلّا
نشيدَ الـمَدِّ
في زمنٍ يَصُوغُ نشيدَهُ الرّاعي
وتَـحذُو حَذْوَهُ القُطعانْ…
وغزّةُ إذْ تُقِيـمُ الوَزْنَ
تَأخُذُ شَكْلَ حَرفِ النُّونِ
في الرَّحمنْ…
(عُيونُكِ شَوْكَةٌ في القلبِ)
تُوجِعُـنا
ونَـحمِـيها بوَرْدِ دِمائِنا الـمَنذُورِ للطُّوفانْ…

ومما قرأه الشاعر قاسم فرحات نقتطف:
سُوناتا اللهب

في البدءِ أُقْرِئكَ السلامْ
وأجُسُّ خَطوكَ
كي أقَدّسَ منهُ أرضَ قصيدتي
يا أنتَ يا رجلاً يسافرُ في جروح بلادهِ
ويسيرُ متكئاً على كتف الغمامْ!

يا صاحبي
كَم تُهتُ في أرضِ اللّغاتْ
وشرعت أقطفُ من حقول الحرفِ باقةَ زنبقٍ
لتليقَ بالبطلٍ الموَشّى بالثباتً
فعصت مُخَيلتي جميع المفردات

يا أنتَ, يا رجلاً فدائيَّ الخُطى
تأتي وتفرشُ ظلَّكَ العاتي بأروقةِ السنينْ
ترنو إلى وطنٍ تضرَّج بالمكائدِ والحنينْ
فتمدُّ راحتكَ الحنونَ إليهِ
تنزعُ عنه قُمصانَ الأسى
وتقصُّ كل ضفائرِ الليل ِ
التي طالتْ على كتفيهِ ،
والجسدِ المسافرِ في كلام العاشقينْ!

وتلوحُ من بين الضبابْ
تَهوي على جَنبيكَ أشلاءُ التَعبْ!
فَتَشُقّ أستارَ المدى
لتُشيدَ مَملكةَ الغضبْ
وتحثُّ خَطوَكَ نحو خصمِكَ
نحو ضدّكَ
نحو غاصبِكَ المدجَّجِ بالحديدْ
وتدوّخُ الباغي على إيقاع سُوناتا اللّهبْ!
عَجَباً .. عَـجبْ!!

قَلبي غزالٌ شاردٌ
في زحمةِ العمرِ الكئيبْ
ورؤاكَ ساقيةُ الهُدى
وأنا الغريبُ
أنا الغريبْ
فَامْدُدْ يَديكَ إلى يَدي
خُذني إلى الآتي
يا أنتَ يا بوّابةَ الآتي الخَصيب!

غريب

ذابَ الطريقْ
لا حُلمَ يعصمنُي
لأنجوَ من هدير الهمِّ
في نهر الزمانْ
لا نايَ يذرفُ نغمةً
حتى يُسَلّيني
ولا لغةً تُحلّق بي
لترميني على غيم الأمانْ

ذابَ الطريقْ
صَيَّرْتُ قلبي مركباً
فأعاقني
فخلعتُ روحي وارتحلتُ
سباحةً للضفّة الأُخرى
ولكنّي غرقتُ
كمْ مرّة
حاولتُ أن أمضي
بلا نبضي
ولكنّي فشلتُ

والآنَ أجلسُ
تحت دالية السنينْ
تَعِباً
أفُكُّ ضفائر الماضي
واجهشَ بالحنينْ
وَحدي
اُسامرُ حَيرتي
وألمُّ عشب الأسئلهْ
هل كان ماضينا قبيحاً
كلّ هذا الحدِّ
حتّى نقتُلَهْ؟!
هل كان شَعرُ الحُلْمِ
أطول من أصابع وقتِنا؟!
لَم نستطِعْ أنْ نَجدِلَه
هل كان ماضينا غريباً
مثل حاضرنا الغريبْ؟!
قل إنّهْ عُمْرٌ عجيبْ

والآن أنهضُ
لا لشيءٍ
بل لأقترفَ الحكايةَ
من جديدْ
فلربّما عمّا قليلٍ
سوف تبتسم الدقائقْ
فأعيدُ ترتيبْ الجهاتْ
وأعيدُ ترميمَ الحقائقْ
ولربّما ذابَ الجليدُ
ولاحَ دربُ الأغنياتْ
ولربّما ظلّ الغدُ الآتي غريباً
مِثلَ حاضرنا الغريبْ
قل إنّهْ عُمْرٌ عجيبْ

وتضمنت مشاركة الشاعرة إيمان الصباغ:

استرجِعيني ..من ملاءاتِ انتشاري
استرجِعيني نرجساً حولَّ النهارِ
استرجعيني كي ارتب موقعي
قبل المضيِّ على خُطى إبحاري
هذا الرحيل يدق اجراسي فيسقط..
….دربُه حول الردى والإنكسارِ
يادمعتي العمياءَ كيف لبستِني
حين ارتديتُ مواسمَ الأزهارِ
الآن ينطفئُ الطريقُ ملامحا…
والعتم حمَّلَ ركبَهُ بمساري
تلك الرسائلُ حُرفت فالتُخرجي
هذا اليقينُ على جوى اسفاري
الليلكُ البريّ بات ممزقاً…
والشوقُ مخضلُّ الندى بخماري
هاتي الرصيفَ وعرِّجيه تنهدي
وتشعّبي وتحطّمي بجداري
يادمعتي العمياءَ كيف لبستِني
حين ارتديتُ مواسمَ الأزهارِ
الآنَ أحترفُ الضياعَ بزورقي
حتى أُ حاصرَ قمقمَ التيارِ
خضّبتُ ألواني لأصنعَ مرسمي
في الماءِ في الجوزاءِ حول حصاري
هاتِي البراقَ وحلّقي بمحطتي
زفّي المساءَ على صدى الأوتارِ
الليلُ يختزلُ الحنينَ مواجعاً
والصبحُ أسقطَ في الرؤى أبصاري
ياشكلَ أعيادِ الهوى بقلادتي
ياضوء ميلادِ الشموع على المحارِ
هذا رحيلي عن جهاتِ غيابك
المصلوب في قطبِ انهياري
والموجُ يعبرُني ..تخلّل ملحُهُ
الصخريُّ رملاً في انكساري
حطّت على غاباتِهِ الصفراءِ
كلُّ شواطئي وتلاطمت بغباري ..؟
إن كان يُهرقُني وقوفُك في دمي
فعلامَ يلتمسُ الهوى أعذاري ..؟
وأنا أُطاوعُ وهمَكَ المشلولَ
في عمقِ الحياة على نتوءِ قرارِ ي
أشعلتُ كلَّ حرائقي برداً ..رياحيناً
…ندىً … لكنّ جمرَكَ مُحكمُ الإصرارِ
شوقٌ يطوّقُه الحنينُ ومهجتي
كانت تُمسِّدُ نارَهُ بالنارِ
مالي وللعشقِ الذي سكنتْ به
سُحبُ الغروبِ ..ببُعدها آثاري
أنا لا أُحبّكَ .. ! بل أريدُ بقيتي
من بينِ بينِكَ ..ردّني لقراري
إرحلْ بما جمع الغرامُ ليالياً
جفّتْ على أحضانِها أنهاري
يا أنت أنصفك الغرامُ ..أذلّني !!
إخلعْ سياجَ الحب عن مضماري
أوما قرأتَ على النجومِ طوالعي
إنَّ النحومَ تُحاطُ بالأسرارِ
والسرُّ أنّك في النحومُ حكايتي
أمّا الحكايةُ سرُّها بشعاري
إن صارَ إسمكَ في الطقوسِ تميمتي
فالغيبُ يكتبُ في المدى أقداري
إنّي رسمتُك في الضياءِ سحابةً
والغيم أسقطني عن الأمطارِ
إن كنتُ لا أهواك تلك خطيئتي
وحقيقتي في الحبِّ حين أداري
خذني تمهل …لاعليك بل اختفي
فلقد عييت بحيرتي وحواري

****************
(وحدي أُشيّعُ جُثتي)

أنا متعبٌ ملء الحروبِ
وملء آلامِ الضحايا
ملء الحنين لموطنٍ
صلى على قبر الشهيد نوافلا
واستراح على العناء
متسمِّرٌ .. بشفاهِ أكوابِ
المنونِ .. يزجُّني فيها احتساء
وحدي أُشيّعُ جثتي…
وحدي أطوف بها…
بوادٍ غيرِ ذي بشرٍ ولا
صوت المنادي في المآذن
قد يشعيه دمي
وبسربِ ألغامي
وحقلِ رصاصةٍ
وبحفلِ ضيمِ البؤساء
أمضي وتعبرني المسافاتُ
المقفّرُ شكلُها
كلّ الدروبِ الهاوياتِ تحنّطت
بمَشيمتي
كل العناوينِ التي
قد أُتلفت فيها المعاني
بالعماء
خلف المقابر أرتدي
شبحي وأوراقَ اغتيالي
قطعانُ ظلّي عارياتٌ لم يزل
متشعباً في بعضها
طعمُ الشقاء
وانا وجثمانُ النحيبِ
وأضلعي في الهشاشِ و الإعتراء
لا لحدَ يطفئُه ولامثوى أواريهِ به
او استكين بسورهِ
أو ان أقاسمه الجواء
وحدي أدثِّر جثتي
بدجى السرابِ أجوب
أضرحة العراء
لا الليلُ يرفعها على
تنهيد نجمٍ لا ملائكةٌ
كرامٌ تنحني نحوي تمدّ ليَ
البراقَ على المَداء
لامن يُعمد ملحَها
لن يُسكبَ الكافورُ
من فوقي..اغتسالاً
أو وضوءاً للشهادةِ
دون ماء..
لن يشربَ الزهرُ امتصاصَاً
من وريدي كي يعرّشَ في المآذنِ
نُصبَ موتي والقِباء
أوليس في الاوطان في الخذلان
في الكثبان او في
ممرات القيامة والنشوروفي
انعقادِ حريقِنا
او في مجالس امنهم
من وردةٍ للأبرياء
أُماه كم انا اسفٌ
لا نعشَ يرسمُ في الوجوهِ
ملامحي يوم العزاء
لا من صلاةِ جنازةٍ
قبل الدعاء
بتروا الشواهد من رخامي احرقوا
فيها العروقَ على الدماء
نثروا رمادي في اعتصام الرعد
قمحا للشتاء
يتقاسمون رماحَ موتي
في الهشيمِ مع الرصاصِ على السواء
غرسوا اختناقَ نعيقهم بمحاجري
وتسمروا بجوارحي
لبسوا سوادَ وجوهِهم يترجلوني
عن حياتي عن كلّ سنبلةٍ تفتّقَ
في دمي منها غَضاء..
نصبوا الحصارَ بجانبيَّ وأحكموني
للرَداء
وانا ونفسي ..واحتدامُ توجّسي
وصدى انتحابي ..والرجاء
ما زلت استجدي حياتي
من غرابِ نباحِهم حولي
ومن صوتِ الشوارعِ خارجَ الأسوارِ
من همسِ الطبيعةِ والنواء
واناشد الله اتركوني..
بالمسيحِ سألتكم..
وبأحمدٍ بالأولياء
بالمصحفِ المحفوظِ بالإنجيلِ
بالتوراةِ بالعذرا..
وبحُرمةٍ للأنبياء
لم يمنخوني عُشرَ وقتٍ
بضعَ ثانيةٍ أودّعُ جثّتي..
وأعيد ترتيب المنايا
في تصاريفَ القضاء..
وألمِّعُ الطرقاتِ
من بعض الغبار
ومن دموعِ التعساء
أنا طاعنٌ بالخوفِ
مشلولُ الهروبِ إلى الأمامِ
أو الرجوعِ إلى الوراء
والموتُ جاء بكلِّهِ..
لا بضعَ موتٍ أو قُصاصةَ
مهلكٍ
لن يستقيل الآن عن تكشير
أنياب الزُعاف على الملاء
فصرخت حين رأيتهُ
وجهاً لوجهٍ..
كاد يخنقني البكاء
غام المكان يضجُّ
بالنزعات بالآهات
بالشكوى..
وبدمع أمي…
بالرجاء
والتفتِ الساقانِ بالساقينِ
بالحمى..
وبكل اشكال العناء
حتى انتشرت على الوجوم ملطخاً
بأثيرِ أصواتٍ تعالت في الخلاء
مات الفتى.. !
فنظرتُ علّي لم أمت.. !! .. !
مازلت أشترّ البقاء
أُماهُ كم أنا آسفٌ
لا نعشَ يرسمُ في الوجوه ملامحي
يوم العزاء
لا الأرضُ تعرفني..ولا..
مثوىً يواري في الظلام بقيتي
أو إلتجاء..
لا الليلُ يحملُ فجرَه بصدى صلاةٍ
أو دعاء
سأعيد ترتيبَ النجوم على الضياء
فأنا بكلِّ مُلمةٍ
رفعت يديها للسماء
واعيد ترميمَ المرايا
كي تريني…
في عيونكِ والشظايا
أنا متعبٌ حتى الغثاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى