شعر و ادب

نقطة نظام: ديوان الشاعر الحبيب حاجي

نقطة نظام: ديوان الشاعر الحبيب حاجي

نقطة نظام: ديوان الشاعر الحبيب حاجي

بقلم: الشرقي لبريز

كثرة مشاهد الدمار، الموت تجعلنا نعزف عن متابعتها ونشمئزوا من الحياة، إذ لم نعد نحتمل المزيد، ليطلع علينا الشاعر الحبيب حاجي بديونه الشعري انا الموقع ادناه، ديوان يضم بين ضفتيه مجموعة قصائد كل قصيدة ترحل بينا الى عالم مختلف عن الاخرى مما يجعلنا نهيم بين مجموعة عوالم في جلسة واحدة، فهذا هو التألق بعينه، خاصة أن هذا الديوان هو بكورة شجرة العطاء الاذبي للشاعر الحبيب حاجي، فهذه البداية المتألقة تبشرنا بميلاد موهبة شعرية مغربية سيكون لها مكانتها في القصيدية التى تعبر بكل جرأة عما يخلج الانسان عموما، خصوصا وان الشاعر قبل يمتطي صهوة الحرف فهو سبر اغوار معاناة الكدح من خلال التعاطي مع حقوق الانسان وكمحام لا يخشي لومة لائم في قول الحق.

ان السائد عند العامة عموما والقارئ خصوصا، حين يمتلك الشاعر نفسه والقراء القصيدة بعد ان تكتب وتخرج للملأ يعتقد انها لا تنتمي للشاعر نفسه أبدًا، هذه الفقرة التي قد تبدو للوهلة الأولى مجرد عبارة أدبية، الا انها تحمل في طياتها حقيقة عميقة عن طبيعة الفن والإبداع، وعن العلاقة المعقدة بين المبدع وعمله بعد أن يلامس عيون الآخرين.

ولنعد الى اول قصيدة افتتح بها الشاعر الحبيب حاجي ديوانه:

 

انا الموقع

ادناه.

اريد ان اصعد

اعلاه.

قالوا لي

واش ضربك الله

هذه القصيدة رغم قصرها والتي بدأها الشاعر بعربية فصحى الا انه ختمها بعبارة تنهل من الدارجة و العامية المغربية .فكل متلقن كيف سيفههما حسب وضعه وموقعه، رغم انها كتبت بانامل شاعر الا ان المحامي كان حاضرا في الصيغة.

الشاعر الحبيب حاجي حين أصدر هذا الديوان كان محاميا، و يتوقع أي قارئ ان هذه القصيدة انما متأثرة مقدمتها بنشاطه المهني و كتابة المذكرات، إلا ان حقيقة هذه القصيدة أنها كتبت في مرحلته الطلابية، هذه المعلومة لا يعرفها الكثير و انما بعض رفاقه حين ألقاها في أمسية بساحة كلية الحقوق السويسي بالرباط، لهذا تجده يهديها لرفيقه في الساحة الجامعية الذي ظل يرددها دائما الى ان توفي بقليل قبل اصدار الديوان و هو زميله في المهنة المحامي أجانا .

اهمية هذا النص بالنسبة للشاعر هو ان :

_منه استقى عنوان الديوان يعبر بكثافة شعرية عن معتقد الصراع الطبقي .

_استعمل فيه اللغة العامية المغربية لما تحمله من كثافة في التعبير.وهي ترجمة حرفية في التعبير في اللغة الامازيغية

_استعمال بعد ساخر كجواب على من يطمح الى الاعلى في هذا البلد.

_ انتماؤها لما يسمى بالهايكو دون ان يكون واعيا بذلك انذاك كما صرح لي.

نكشف ان هذا النص لا يحمل تاريخا و لا المكان الذي عرف ولادته لان الشاعر تعمد ذلك لان:

_قصائده سواسية أمامه و يريد ان يحقق هذا التساوي امام القارئ.

_يريد ان يبعدها تن التصنيف العمري (المرحلة التلاميذية ،الطلابية،المهنية)

_كما يريد ابعادها عن أي محاولة لفهمها بناء على تأثر ما أو مرجعية ما .

_ يريدها قصيدة مستقلة صالحة لكل زمان و مكان.

_كما عناوين قصائده لا تحمل عنوانا مستقلا عن القصيدة حتى لا تقرأ القصيدة على ضوء العنوان. فالعنوان هو الكلمة الاولى من القصيدة إلا نادرا نادرا كما هو شأن اول القصيدة :أنا الموقع ادناه فعنوانه يتكون من نفس عدد كلمات القصيدة ، و في ما يشبه عنوان بحث اكاديمي ، في غرائبية و عجائبية واضحة تستحق مزيدا من التأويل و التمحيص التذاكر مع صاحبها.

_

ان النص بمجرد أن يخط القلم آخر حروفه، وتضغط يد المبدع على زر النشر يكون ذلك شهادة ميلاده ، واعلن تحرره من قيود صاحبه واكتسب حياة مستقلة، يصبح كيانًا مستقلاً ينتقل من رحم الخيال الفردي إلى الفضاء الجمعي ، حيث ان العمل يكتسب حياة خاصة به، ويبدأ القراء أو المتلقون في التفاعل معه بتفسيراتهم حسب تجاربهم الذاتية ،الفكرية و الاجتماعية و النفسية.

إنهم يمنحونه معاني قد تختلف تمامًا عما قصده المبدع الأصلي، وقد يكتشفون فيه أبعادًا لم تخطر بباله. هذا التفاعل المستمر هو ما يبرز جمال الفن وديناميكيته، فهو ليس كيانًا ثابتًا بل يتطور ويتجدد مع كل عين تقرأه أو أذن تسمعه، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من وجدان كل متلقٍ.

ديوان أنا الموقع أسفله ينتفض للحرية و الانعتاق من القواعد القديمة و ما ترسب في ذهنيتنا و مخيالنا لا تجده ينهل من ثقافة الشرق،بل تجده امازيغيا مغربية و كأنه لم يمر يوما من المدرسة المغربية المشحونة بخرافات الشرق .. فهو يستطيع ان ينسى قيس و ليلى ليملأ قلبه بإيسلي و تاسليت . يستطيع ان ينسى أبطال الشرق ليستحضر البطل الامازيغي الشخصية الواقعية الذي حارب الرومان في 40 ميلادية و هو اديمون. و يتمر سعيد المغربي و موحا و حمو و الخطابي و بنعيسى و غيرهم . انه لا يسمح لأحد ان يصفه بالمتواجد بأرض المغرب و رأسه في الشرق في انفصام شديد يجعله شخصية مشوهة عاطفيا و فكريا و عقليا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى