
والـكُـلُّ فِي عَـجَلَــةٍ مِن أَمـرِه
بقلم. صهيب عجمية
بدأت ترتدي ثوبها الذّهبيّ من جديد, لتبدو وكأنّها ثريّا بلا حبالٍ في ذاك البحر الأزرق.
حقّاً تبدو خلّابة, لكنّها أشرقت بسرعةٍ كبيرة !
ربّما ليست مجرّد مصدرٍ للنّور، بل وكأنّها علامةٌ لذاك العجوز كي يصعد إلى منبره, ورغم كبر سنّه إلّا أنّه لم يتأخّر عن عمله قط !
إنّه ينتظر هذه اللّحظة كلّ يومٍ منذ أربعين سنة, كي يؤذّن للنّاس بوقتِ الظّهيرة.
لكنّه علىٰ عجلةٍ من أمره اليوم…وكأنّ هنالك شيئاً يلاحقه, فعيناه تهتفان بفارغ الصّبر قبل أن يتناول الصّوت لسانه ويغمرَ الأرجاء كلّها.
لمَ هو مسرعٌ هكذا؟
لربّما توجّبت عليه مسؤوليّاتٌ عدّة.
أحسّ بصوت قطرات المياه تتهافت في مسمعي وهي تشكّل موجةً أشبه بحوتٍ يبتلع كلّ ما يراه, وراحت تندفع بسرعةٍ نحو الشّاطئ لتبتلعَ المزيد والمزيد, إلى أن احتضنت رمال الشّاطئ بشدّة.
الكلّ مسرعٌ اليوم, لا شكّ أنّي لحظت ذلك بعد رؤيتي للطّيور تتبارى بين بعضها البعض.
مَن سيصل للنّهاية أوّلاً, لكن أيّ نهاية؟
إلىٰ أين سنصل بعد كلّ هذا؟
أإن أسرعنا سننتهي ممّا فعلناه بوقتٍ قصير؟
وإن انتهينا, هل سنحصل على ما هو قادمٌ بوقتٍ مبكّر؟
وإن حصلنا, هل سنستطيع حمل كلّ هذا على عاتقنا بوقتٍ أقلّ ممّا ينبغي أن نقضي بشأنه؟
قد تكون الإجابة هي أجل, لكنّني لا أريد معرفة ذلك فقد قضيت وقتاً في التّفكير أكثر من الوقت الّذي كنت سأوفّره إن أسرعت.
يوجد مطعمٌ في الحيّ المجاور, إنّه منشغلٌ بكلّ أوقاته, هذا بلا ريبٍ سببٌ لسرعته الكبيرة في عمله.
لأنّ النّاس الّذين يريدون شراء الطّعام, لا يتيقون الانتظار فالكلّ علىٰ عجلةٍ من أمره.
هل عدنا مرّة أخرىٰ للتّفكير في السّرعة بقضاء الأشياء؟
هذا مضحك, فالإجابة بالتّأكيد لا…لكن ما أودّ معرفته حقّاً, أنّ الأناس الّذين يقفون في الطّابور أمام المتجر, لما هم مسرعون؟
أيعقل أنّ هذا الكمّ من النّاس, لديهم مسؤوليّاتٌ عديدةٌ مثل ذاك العجوز فوق المنبر, ولا يستحملون هذه الدّقائق المعدودة كي يأخذوا طلباتهم بهدوءٍ ورفقٍ ويرحلوا؟
أيعقل أنّنا في عصر السّرعة, وعجلتهم هذه هي غريزةٌ فطريٌّة في النّفس البشريّة لا معنىٰ لها وإنّما هي عادةٌ اكتسبناها من تكرار الانتظار وحسب.
حقّاً هذا منطقي, لأنّ أحداً لا يعلم ما ومتىٰ وأين سيفعل إن كان يفكّر فيه بعجل, فافعل ما شئت بتروٍّ, وعندها ستكتسب وقتاً أكبر من الوقت الّذي ستخسره في النّهوض إذا تعثّرت.
لحظت شيئاً أشبه بجواب لسؤالي، أمواج البحر !
أمواج البحر قد كوّنت نفسها بسرعةٍ واندفعت بقوّةٍ شديدةٍ نحو الشّاطئ وكأنّها مشتاقةٌ لرماله.
لكن على ما يبدو عليه الأمر أن هذه الحبّات الصّغيرة لم تستقبلها بالتّرحاب, فعند احتضانها لهنّ قد تلاشت على الفور.
أهذا ما سيحدث إن بقينا مسرعين في طريقنا؟
هل سنتلاشىٰ كتلك الأمواج فقط لأنّنا رغبنا في الوصول؟
لا, هذا غير صحيح ها هي تنسحب من الفراغات الصّغيرة لتعود إلى منشأها وتكوّن نفسها من جديدٍ, ممّا يرشدنا على أنّنا ببعض الأحيان, إن لم نستطع الوصول بسرعة فيجب أن ننسحب, وندرس قدراتنا ومعطياتنا لنكوّن أنفسنا من جديدٍ ونحاول, فأحياناً الموجة العالية والهادئة تصل إلى مكانٍ أبعد من تلك الّتي تكوّن نفسها بعجلٍ وبعشوائية, أنا لا أتحدّث عن الموج وحسب, بل نحن البشر كذلك.
والآن بعد أن فكّرت كثيراً, يجب أن أذهب لمنزلي “قبل غروب الشمس” لذا فأنا على عجلةٍ من أمري.