وزير الأوقاف .. أمر ما أحوجنا إليه قراءة في فقه التيسير

وزير الأوقاف .. أمر ما أحوجنا إليه
قراءة في فقه التيسير
حماده مبارك
قال ا .د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، ما أحوجنا أن نأخذ الناس بالرفق والرحمة والتيسير ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ “، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ” دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ” ، (أخرجه البخاري)، وعَنْ عَائشَةَ (رَضيَ اللهُ عنها) أنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) دخَلَ عليها وعندَها امرأةٌ ، قال: ” مَنْ هذه؟ قالت: هذه فُلانةٌ ، تذْكرُ مِنْ صَلاتِها ، قال: « مَهْ »، عليكم بِما تُطِيقونَ ، فوَ الله لا يَمَلُّ اللهُ حتَّى َتملُّوا” (أخرجه البخاري) .
وعن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (رضي الله عنهما)، أَنَّ السيدة عَائِشَةَ (رَضِيَ الله عَنْهَا) أَخْبَرَتْهُ : أَنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم) خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَتَشَهَّدَ ، ثُمَّ قَالَ: ” أَمَّـا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا ” ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، (أخرجه البخاري) .
وعن عُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ- أيضًا- أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مَرَّتْ بِهَا وَعِنْدَهَا رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) فَقُلْتُ : هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ ، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا تَنَامُ اللَّيْلَ؟! خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَوَالله لا يَسْأَمُ الله حَتَّى تَسْأَمُوا” ، (أخرجه البخاري) .
وعن أنس بن مالك (رضى الله عنه) قال : دَخَلَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) المسْجد فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بيْنَ السَّارِيَتَيْنِ ، فَقالَ : “ما هذا الحَبْلُ”؟ قالوا : هذا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ ، فَقالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): ” لا، حُلُّوهُ ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ” ، (أخرجه البخاري) .
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ” فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ” ، (أخرجه البخاري) .
وعَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ الله عَنْهَا) ، قَالَتْ : “مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكن إثْمًا ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ “، (متفق عليه) .
فمن رحمة الله (عز وجل) أن شعائر الإسلام قائمة على الطاقة والوسع, حيث يقول الحق سبحانه: { لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة: 286) , ويقول تعالى في شأن الحج :{ولله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران: 97) , ويقول سبحانه في شأن الصوم : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}( البقرة : 184) , ويقول (عز وجل) : {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة : 184) ، قال بعض المفسرين : أي على الذين لا يطيقون الصيام فدية طعام مسكين , وقال بعضهم المراد : على الذين يطيقونه بمشقة بالغة أو غير محتملة , ويقول سبحانه في شأن الإنفاق: { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } (الطلاق: 7) ، فالدين قائم على اليسر ورفع الحرج , حيث يقول الحق سبحانه: { يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة : 185) , ويقول سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج : 78) ، فمن أدى المتيسّر سقط عنه المتعذر كمن تيمم عند فقد الماء فإنه يكفيه ، ولا تلزمه الإعادة عند وجود الماء ، ومن عجز عن الصلاة قائمًا صلى قاعدًا وسقط عنه القيام المتعذر ، بل إن نبينا (صلى الله عليه وسلم) ليبشر من تعذر عليه ما كان يؤديه من الطاعات بفضل الله (عز وجل) وكرمه في إجراء ثواب ما كان يعمل ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا” ، (أخرجه البخاري) .
وفي المتاح والمباح سعة بالغة ، غير أن بعض الناس دون أن يؤدي المتاح والمباح لا يتعلق إلا بالمتعذَّر , وكأنه يبحث عن شماعة ليعلق عليها تقصيره.