
وهم الربح : بقلم / د. نجوى كامل
كان المطر ينهمر بغزارة على الأرصفة الرمادية، تسربت برودته إلى عظام “عماد” وهو يقف أمام باب الكازينو. وقف للحظة، متردداً، ثم ضحك في سرّه:
“التردد؟ بعد كل ما خسرته؟ هل بقي شيء لأخسره؟”
دفع الباب ببطء، وتسلل الدفء المغشوش إليه. رائحة السجائر، ضحكات متقطعة، وأصوات رقائق القمار تتهاوى على الطاولات. نفس المشهد، نفس الوجوه المرهقة المتعطشة لانتصار لن يأتي.
جلس إلى الطاولة، مدّ يده المرتجفة وألقى آخر ما تبقى في جيبه. كانت الورقة النقدية رثة، مثل أيامه الأخيرة. ناداه الموزّع بابتسامة باردة، كأنه يعرفه أكثر مما يعرف هو نفسه:
“رهانك؟”
ابتلع عماد ريقه. تذكر ديونه، صديقه الذي أقرضه ولم يعد يرد على مكالماته، وأخته التي أقسمت ألا تفتح له باب البيت مجدداً. لا يهم. الآن، اللحظة الآن، هي كل شيء.
“كل شيء على الأحمر.”
دارت العجلة، دارت كما دار هو في هذه الحياة، كدمية في يد قَدَرٍ ساخر. عيناه معلقتان بالكُرة الصغيرة وهي ترتد من خانة إلى أخرى. لحظة خرس فيها الزمن.
توقفت الكُرة.
أسود.
لحظة صمت. ثم، كأن أحداً دفعه إلى الخلف، ارتد بكرسيه قليلاً، شعر بالفراغ يبتلعه. لم ينهض، لم يتحرك، فقط جلس مشدوهاً، محدقاً في الطاولة، في اللاشيء.
ضحك أحد اللاعبين في الطرف الآخر من الغرفة، وصوت الموزّع البارد أعاده إلى الواقع:
“حظ أوفر في المرة القادمة.”
أي “مرة قادمة”؟ لا “مرة قادمة”. انتهى كل شيء. رفع بصره إلى السقف،
حيث الشمعدانات تلمع بزيف، حيث الأضواء تحجب الظلام العالق في زوايا الغرفة. كم مرة خدعه هذا المكان؟ كم مرة أقنع نفسه أن الضربة القادمة ستغير كل شيء؟
وقف ببطء، وكأن ثقلاً جديداً قد زُرع في جسده. خرج إلى الشارع، حيث المطر لم يتوقف عن السقوط. شعر بالبرد ثانية، لكنه هذه المرة لم يحاول الاحتماء منه. سار بلا وجهة، بلا فكرة، بلا حتى رغبة في العودة إلى أي مكان.
في البعيد، سمع دقات الساعة تعلن انتصاف الليل. ليلة أخرى انتهت، وأخرى ستبدأ، لكنه كان يعرف هذه المرة أن كل شيء قد انتهى منذ زمن… وأن العجلة، تلك العجلة، لن تتوقف عن الدوران أبداً.
بقلم دكتورة نجوى كامل