مقالات

يغسلون أيديهم “فرنسا وكندا وبريطانيا” من الدعم المطلق إلى التهديد المتأخر

يغسلون أيديهم "فرنسا وكندا وبريطانيا" من الدعم المطلق إلى التهديد المتأخر

يغسلون أيديهم “فرنسا وكندا وبريطانيا” من الدعم المطلق إلى التهديد المتأخر

يغسلون أيديهم: تحوّل أوروبا المتأخر وعار غزة
في لحظةٍ تاريخية فارقة ومثيرة للجدل، حيث يختلط صوت المعاناة في غزة بصدى صمت عالمي طويل، تشهد الساحة الدولية تحولًا دراماتيكيًا قد يبدو مفاجئًا للجميع “فرنسا وكندا وبريطانيا” الدول التي طالما قدمت الدعم المطلق للاحتلال الإسرائيلي، حتى في أوج حملته العسكرية المدمرة على القطاع، بدأت فجأة في التلويح بـ”العقوبات”، وهذا التغير الذي يأتي بعد ما يقارب العامين من الإبادة الجماعية التي يراها العالم بأسره، يضعنا أمام سؤال قاسٍ: هل هو صحوة ضمير متأخرة، أم محاولة يائسة لغسل الأيدي الملطخة بدماء الأبرياء، أم فرصة يجب على أمتنا العربية والإسلامية اغتنامها؟.

ولم يأتِ هذا التغيير من فراغ؛ فصرخات الأطفال تحت الركام، ومشاهد الجوع القاتل، وتدمير كل مقومات الحياة في غزة، فاقت قدرة حتى أكثر الدول انحيازًا على تجاهلها تمامًا، والبيان المشترك من لندن وباريس وأوتاوا، الذي يتوعد “إسرائيل” بـ”إجراءات ملموسة” إذا لم توقف حرب الإبادة والتجويع الممنهج وتسمح بدخول المساعدات بكثافة ودون شروط هو اعتراف ضمني بحجم الكارثة الإنسانية “التي لا تُطاق”، ولكن هذا الاعتراف لا يلغي حقيقة أن الدعم المطلق السابق قد ساهم في وصول الوضع إلى هذا الحد الكارثي، مما يلقي بظلال كثيفة من الشك حول توقيت هذه “الصحوة” ودوافعها الحقيقية.

إن حجم الكارثة ليس مجرد كلمات؛ فوفقاً لأحدث الإحصائيات، تجاوز عدد الشهداء في غزة 52,908 فلسطينيين، منهم 18,000 طفل و12,400 امرأة، سُحقوا تحت أنقاض منازلهم. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات باردة، بل هي أرواحٌ أُزهقت، وعائلاتٌ دُمرت، وأجيالٌ أُبيدت، وهذا الدمار البشري الهائل، الذي يحدث على مرأى ومسمع العالم، هو ما أجبر حتى الدول الداعمة على إعادة حساباتها، مؤكدًا أن الصمت لم يعد خيارًا، وأن الإنسانية تتطلب موقفًا حازمًا.

وألفت إلى : أن”نتنياهو” المتوغل في غطرسته، لم يتردد في اتهام هذه الدول بـ”تقديم جائزة ضخمة” للمقاومة الفلسطينية، مؤكداً رؤيته المغلقة لهذه الحرب “الحضارية” على “البربرية”، وهذا الرد يكشف عمق الانفصال بين الواقع الذي تعيشه غزة وبين العقلية التي لا تزال ترى في الدفاع عن المدنيين تحريضاً، وبينما يرى العالم “إبادة جماعية” تحدث على الهواء مباشرة، وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية، لا تزال حكومة نتنياهو تواصل انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي، غير آبهة بمعاناة عشرات الآلاف من الأطفال الذين يواجهون الموت جوعاً ومرضاً.

وأُشيرفي المقال إلى: أن هذا التحول الأوروبي، مهما كانت دوافعه، يضع عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا هائلاً على عاتق الدول العربية والإسلامية، فبدلًا من انتظار “صحوة الضمير” الغربية التي قد تأتي متأخرة أو مشوبة بالمصالح، حان الوقت لتوحيد الصفوف والخطاب، ويجب على أنظمتنا أن تستغل هذه اللحظة الحرجة للخروج بقرار جامع وحازم يحفظ ما تبقى من كرامة وإنسانية شعوبنا، وأن تتخذ موقفًا موحدًا لا يقبل المساومة، يُجمد الاتفاقيات “السلمية” التي لم تجلب إلا المزيد من الدمار والعار.

وربما تختلط الدوافع؛ فهل تتحرك هذه الدول خوفًا من غضب شعوبها التي لم تعد تُطيق مشاهد الموت؟، أم أن تغير موازين القوى العالمية يدفعها لإعادة حساباتها؟ “لا يهم”، المهم أن تقارير الأمم المتحدة تؤكد تورط إسرائيل في “جرائم حرب”، ورغم ادعاءاتها الأمنية، فإن طفلًا غزيًّا يموت جوعًا لا يُهدد أحدًا هذا يثبت الإدانه، لذا؛ علينا الآن تحويل هذا الزخم إلى فعل: مقاطعة اقتصادية، سحب سفراء، ومحاكمة دولية فـ”الضمير العالمي” لن ينتظر أكثر.

وأؤكد هنا: أن هذا ليس مجرد تغيير في الخطاب السياسي، بل هو فرصة تاريخية لإعادة تعريف دور دولنا، وزير الخارجية البريطاني يعلن أن “في غزة يتم قصف الأطفال الأبرياء مرة أخرى وهذا الأمر اصبح غير مقبولًا”، ويلمح بدعم حل الدولتين، بينما فرنسا تدعم مراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهذه التصريحات، وإن كانت تأتي متأخرة، يجب أن تكون نقطة انطلاق لضغط عربي وإسلامي لا يتوقف، حتى يتم وقف الحرب بشكل كامل ورفع الحصار، وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة الدولية.

وفي الختام أقول: إنه يظل السؤال معلقًا في سماء الضمير العالمي: هل هذا التغيير المفاجئ في سياسة “بريطانيا، فرنسا، وكندا” تجاه الاحتلال الإسرائيلي هو مجرد محاولة يائسة للتبرؤ من مسؤولية الدعم السابق؟، وهل هي محاولة لغسل أيديهم من دماء الأبرياء في غزة التي لطخت أيديهم بالفعل؟، إذا كان هذا او ذاك، أقول لهم : إن الدماء لن تُغسل، والتاريخ لن ينسى، ولتكن هذه اللحظة التاريخية دعوة لدولنا العربية والإسلامية لتكسر حاجز الصمت والعجز، وتثبت للعالم أن قيمنا الإنسانية ليست مجرد شعارات، بل هي مبادئ نعيش ونموت من أجلها، وأننا لن نقبل بأقل من العدل والحرية لأهلنا في فلسطين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى